الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } * { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } * { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ }.

تقدَّم الكلامُ في الجهَازِ. وأمَّا قوله: { جَعَلَ ٱلسِّقَايَ } فالعامة على: " جعل " بلا واو قبلها، وقرأ عبدُ الله " وَجَعَلَ " وهي تحتمل وجهين:

أحدهما: أن الجواب محذوفٌ.

والثاني: أنَّ الواو مزيدة في الجواب على رأي الكوفيين، والأخفش.

قال أبو حيَّان: وقرأ عبدُ الله فيما نقل عن الزمخشري { وجعل السقاية في رحل أخيه }: أمْهَلهُمْ حتّى انطلقوا. { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } ، وفي نقل ابنِ عطيَّة: " وَجَعلَ " بزيادة واوٍ في: " جَعَلَ " دون الزيادة التي زادها الزمخشريُّ، بعد قوله: " في رَحْل أخيهِ " فاحتمل أن تكون الواو زائدة على مذهب الكوفيِّين، واحتمل أن يكون جواب: " لمَّا " محذوفاً تقديره: فقدها حافظها كما قيل: إنَّما أوحي إلى يوسف بأن يجعل السِّقاية فقط، ثمَّ إنَّ صاحبها فقدها فنادى برأيه فيما ظهر له، ورجَّحهُ الطبريُّ، وتفتيتش الأوعية يردُّ هذا القول.

قال شهابُ الدِّين: " لم ينقل الزمخشريُّ هذه الزِّيادة كلها قراءة عن عبدالله، إنَّما جعل [الزِّيادة] المذكورة بعد قوله: " رحْلِ أخِيهِ " تقدير جواب من عنده، وهذا نصُّه:

قال الزمخشريُّ: " وقرأ ابنُ مسعودٍ: وجَعَلَ السِّقاية " على حذف جواب " لمَّا " كأنه قيل: فلمَّا جهزهم بجهازهم، وجعل السِّقاية في رحل أخيه؛ أمهلهم حتى انطلقوا، ثمَّ أذَّن مؤذِّنٌ فهذا من الزمخشريُّ إنما هو تقدير لا تلاوة منقولة عن عبد الله، ولعلَّهُ وقع للشَّيخ نسخةٌ سقيمةٌ ".

فصل

قال الزمخشريُّ: " السِّقاية: مَشْربةٌ يُسْقَى بها وهِيَ الصواع ".

قيل: كَانَ يُسْقى بها الملكُ، ثُمَّ جعلت صاعاً يكالُ به، وقيل: كانت الدَّوابُّ تسقى بها، ويُكَالُ بِهَا أيضاً، وقيل: كانت من فضَّةٍ، وقيل: كَانتْ من ذهَبٍ، وقيل: كَانتْ مُرصَّعة بالجَواهرِ.

والأولى أن يقال: كان ذلِكَ الإنَاء شيئاً لهُ قِيمَة، أمَّا إلى هذا الحدِّ الذي ذكروهُ فَلاَ.

فصل

روي أنَّ يوسف ـ صلوت الله وسلامه عليه ـ قال لأخيه: لا تُعْلِمهُمْ شيئاً ممَّا أعلمتك، ثمَّ أوفى يوسف لإخوته الكيل، وحمل لكلِّ واحدٍ بعيراً، ولبنيامين بعيرٌ باسمه، ثمَّ أمر بسقاية الملك، فجعلت في رحل بنيامين.

قال السديُّ ـ رحمه الله ـ: لما قال له يوسف:إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ } [يوسف:69] قال بنيامين: فأنا لا أفارقك، فقال له يوسف: قد علمت اغتمام والدي بي، وإذا أجلستك، ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلاَّ بعد أن أشهرك بأمر فظيع، وأنسبك إلى ما لا يُحْمدُ، قال لا أبالي فافعل ما بدا لك؛ فإني لا أفارقك، قال: فإنِّي أدس صاعي في رحلك، ثمَّ أنادي عليك بالسِّرقةِ ليتهيأ لي ردّك بعد تسريحك، قال: فافعل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8