الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } الآية في جواب " لمَّا " هذه ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنَّه الجملة المنفيَّةُ من قوله: { مَّا كَانَ يُغْنِي } ، وفيه حجَّةٌ لمن يدَّعي كون [لمَّا] حرفاً لا ظرفاً، إذ لو كانت ظرفاً لعمل فيها جوابها، إذْ لا يصلحُ للعمل سواه لكن ما بعد: " مَا " النَّافية لا يعمل فيها قبلها، ولا يجوز حين قَامَ أبُوكَ مَا قَامَ أخُوكَ، مع جوازِ: لمَّا قَامَ أخُوكَ مَا قَامَ أبُوكَ.

والثاني: أنَّ جوابها محذوف، فقدَّره أبو البقاء ـ رحمه الله ـ: امتثلوا وقضوا حاجته، وإليه نحا ابن عطيِّة أيضاً.

وهو تعسُّفٌ؛ لأَنَّ في الكلام ما هو جوابٌ صريحٌ كما تقدَّم.

والثالث: أنَّ الجواب هو قوله: " آوَى " قال أبو البقاء: " وهو جواب: " لمَّا " الأولى، والثانية، كقولك: لمَّا [جِئْتُكَ]، ولمَّا كلَّمْتُكَ أجَبْتَنِي، وحسَّن ذلك أن دخولهم على يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تعقب دخولهم من الأبواب. يعنى أنَّ " آوَى " جواب الأولى، والثانية، وهو واضحٌ.

فصل

قال المفسرون: لمَّا قال يعقوبُ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ:وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [يوسف:67] صدَّق الله يعقوب فيما قاله، أي: وما كان ذلك التَّفريق يغني من الله من شيءٍ.

قال ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ: ذلك التَّفريق ما كان يرد من قضاء الله تعالى ولا أمراً قدره الله تعالى. وقال الزجاج: لو قدر أن يصيبهم لأصابهم،و هم مُتفرِّقون كما يصيبهم، [وهم مجتمعون].

وقال ابنُ الأنباري: لو سبق في علم الله تعالى أنَّ العين تهلكهم عند الاجتماع؛ لكان تفرقهم كاجتماعهم، وهذه كلمات متقاربة وحاصلها: أنَّ الحذر لا يدفع القدر.

وقوله: " مِنْ شيءٍ " يحتملُ النَّصب بالمفعولية، والرفع بالفاعلية.

أمَّا الأول فهو كقولك: مَا رأيتُ من أحدٍ، والتقدير: ما رَأيتُ أحداً، كذا ههنا، وتقدير الآية: أن تفرقهم ما كان يغني من قضاء الله شيئاً.

وأما الثَّاني: فكقولك: ما جَاءَنِي من أحدٍ وتقديره: ما جَاءنِي أحدٌ، فيكون التقدير هنا: ما كان يغني عنهم من الله شيء مع قضائه.

قوله: " إلاَّ حَاجةٌ " فيه وجهان:

أحدهما: أنه استثناء منقطعٌ، وتقديره: ولكن حاجة في نفس يعقوب قضاها، ولم يذكر الزمخشريُّ غيره.

والثاني: أنه مفعولٌ من أجله، ولم يذكر أبو البقاءِ غيره، ويكون التقدير: ما كان يغني عنهم بشيء من الأشياء إلاَّ لأجل حاجة كانت في نفس يعقوب عليه السلام، وفاعل: " يُغْنِي " ضمير التفريق المدلول عليه من الكلام المتقدِّم. وفيما أجازه أبو البقاءِ ـ رحمه الله تعالى ـ نظر من حيث المعنى لا يخفى على مُتأمِّلهِ.

السابقالتالي
2