الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } * { قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } * { وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ } الآية: المتاعُ: ما يصلح لأن يُستمتع به، وهو عامًّ في كلِّ ما يُسْتَمْتعُ به، والمراد به ههنا: الطعامُ الذي حملوه، ويجوز أن يرادُ به أوعيةُ الطعام، { وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ } ، ثمن البضاعة.

{ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ }؛ قرأ الأكثرون بضمِّ الراء، وقرأ علقمة ويحيى، والأعمش: " رِدَّتْ " بكسر الرَّاءِ، على نقل حركة الدَّال المدغمةِ إلى الراء بعد توهُّم خلوها من حركتها، وهي لغةُ بني ضبَّة.

على أنَّ قطرُباً حكى عن العرب: نقل حركةِ العين إلى الفاء في الصحيح؛ فيقولون: ضِرْبُ زَيْد، بمعنى: ضُرِبَ زيد،و قد تقدم ذلك في قوله:وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ } [الأنعام:28] في الأنعام.

قوله: " مَا نَبْغِي " في " مَا " هذه وجهان:

أظهرهما: أنها استفهاميةٌ، فهي مفعولٌ مقدمٌ، واجبُ التقديم؛ لأن لها صدر الكلام، أي: أيَّ شيء نبغِي، أعطانا الطعام على أحسنِ الوجوه، فأي شيء نبغي وراء ذلك.

والثاني: أن تكون نافية ولها معنيان:

أحدهما: قال الزجاج ـ رحمه الله ـ: ما بقي لنا ما نطلبُ، أي: بلغَ الإكرامُ إلى غايةٍ، ما نَبْغِي وراءها شيئاً آخر. وقيل: المعنى أنَّه ردَّ بضاعتنا إلينا، فنحن لا نَبْغِي عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى، فإنَّ هذه التي معنا كافية لنا.

والثاني: ما نَبْغِي، من البَغْيِ، أي: ما أفْتريْنا، ولا كذبنا على هذا الملك في إكرامهِ وإحسانه.

قال الزمخشريُّ: " ما نَبْغِي في القولِ، وما نتزيَّد فيما وصفنا لك من إحسانِ الملكِ ".

وأثبت القراء هذه الياء في " نَبْغِي " وصلاً ووقفاً، ولم يجعلوها من الزَّوائد، بخلاف التي في الكهفِ، في قوله ـ عزَّ وجلَّ ـ:ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } [الكهف:64]، والفرقُ أنَّ " ما " ـ هناك ـ موصولةٌ، فحذف عائدها، والحذف يؤنس بالحذف.

وهذه عبارةٌ مستفيضة عند أهلِ هذه الصناعة؛ يقولون: التغييرُ يُؤنسُ بالتغيير، بخلافها هنا، فإنها: إما إستفهاميةٌ، وإما نافيةٌ، ولا حذف على القولين حتى يؤنس بالحذفِ.

وقرأ عبدالله، وأبو حيوة، وروتها عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما تَبْغِي " بالخطاب و " مَا " تحتملُ الوجهين ـ أيضاً ـ في هذه القراءةِ، والجملة من قوله: " هَذِه بِضَاعَتُنَا " يحتملُ أن تكون مفسرةً لقولهم " مَا نَبْغِي " وأن تكون مستأنفة.

قوله " ونميرُ " معطوفةٌ على الجملة الاسميةِ، وإذا كانت " مَا " نافية جاز أن تعطف على " نَبْغِي " فيكون عطف جملة فعلية على مثلها.

وقرأت عائشة، وأبو عبد الرحمن ـ رضي الله عنهما ـ " ونُمِيرُ " من أمارهُ إذا جعل لَهُ المِيرَة، يقال: مَارَهُ يَمِيرهُ، وأمَارَهُ يُمِيرُه، والمِيرَةُ: جَلْبُ الخَيْرِ؛ قال: [الوافر]

السابقالتالي
2 3 4 5 6