الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } الآية قال المفسرون: لما التمس من الملك أن يجعله على خزائن الأرض، لم يذكر الله عن الملك أنه قال: قد فعلتُ؛ بل قال: { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض }؛ فقال المفسرون: في الكلام محذوفٌ تقديره: قال الملك: قد فعلت؛ لأنَّ تمكين الله له في الأرض يدلُّ على أن الملك قد أجابه ما سأل.

قال ابن الخطيب: " وما قالوه حسنٌ، إلا أنَّ هاهنا ما هو أحسن منه، وهو أنَّ ما أجابه الملك في عالم الظاهر، وأمَّا المؤثر الحقيقيُّ، فليس إلاَّ أنه ـ تعالى ـ هو الذي مكَّنه في الأرض، وذلك؛ لأنَّ الملك كان متمكناً من القبول والرد فنسبة قدرته إلى القبول والرد على التَّساوي وما دام يبقى هذا التَّساوي، يمتنعُ حصولُ القبولِ، فلا بُدَّ وأن يرجح القبولُ على الردِّ في خاطر ذلك الملك؛ وذلك لأنَّ الترجيح لا يكونُ إلاَّ بمرجعٍ يخلقهُ الله ـ تعالى ـ وإذا خلق الله ذلك المرجح، حصل القبولُ لا محالة، فالتمكين ليوسف في الأرض ليس إلاَّ من خلق الله ـ تعالى ـ بمجموع القدرة والدَّاعية الجازمة التي عند حصولها، يجب ُ ألاَّ يؤخَّر هذا السببُ، فترك الله إجابة الملك، واقتصر على ذكر التَّمكينِ الإلهي؛ لأنَّ المؤثِّر الحقيقيَّ ليس إلا هو ".

قوله: " وكَذلِكَ " الكافُ منصوبةٌ بالتمكين، و " ذلِكَ " إشارةٌ إلى ما تقدم أي: ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبنا إياه من قلب الملكِ، وإنجائنا إياه من غمِّ الحَبْس، { مَكنا له في الأرض }.

وقوله: " لِيُوسُف " يجوز في هذه اللام أن تكون متعلقة بـ " مَكَّنَّا " على أن يكن مفعول " مَكَّنَّا " محذوفاً، تقديره: مكنا ليوسف الأمورَ، أو على أن يكون المفعول به " حَيْثُ " ، كما سيأتي، ويجوز أن تكون زائدة عند من يرى ذلك.

وقد تقدَّم أنَّ الجمهور يأبون ذلك إلاَّ في موضعين.

وقله " يَتَبَوَّأ " جملةٌ حاليةٌ من " يُوسفَ " ، و " مِنْهَا " يجوز أن تتعلَّق بـ " يَتَبَوَّأ " ، وأجاز أبو البقاءِ: أن يتعلق بمحذوفٍ، على أنَّها حالٌ من " حَيْثُ " ، و " حَيْثُ " يجوز أن يكون ظرفاً لـ " يَتَبَوَّأ " ، ويجوز أن يكون مفعولاً به وقد تقدم تحقيقه في الأنعامِ.

وقرأ ابن كثير: " نَشَاءُ " بالنُّون على أنَّها نونُ العظمة لله تعالى.

وجوَّز أبو البقاء: أن يكون الفاعل ضمير يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال: " لأنَّ مشيئتهُ من مشيئةِ اللهِ ـ عز وجل "؛ وفيه نظرٌ؛ لأن نظم الكلام يأباهُ.

السابقالتالي
2 3