الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي }.

لما تبيَّن للملكِ عذرُ يوسف وعرف أمانتهُ وعلمهُ، قال: { ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ، أي: أجعله خالصاً لنفسي.

قال القرطبيُّ: " انظر إلى قولِ الملكِ أولاً حين تحقَّق علمهُ: " ائتُونِي بِهِ " ، فقط فلمَّا فعل يوسف ما فعل، قال ثانياً: { ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } والاستخلاصُ: طلب خلوصِ الشَّيء من شوائبِ الإشراكِ ".

قال القرطبي: " أسْتَخْلصهُ " جزم؛ لأنه جواب الأمرِ؛ وهذا يدل على أنَّ قوله: " ذلِكَ ليَعْلمَ " ، جرى في السجن، ويحتمل أنه جرى عند الملك، ثم قال في جلس آخر: " ائتُوني بِهِ "؛ تأكيداً.

واختلفوا في هذا الملك، فقيل: هو العزيز، وقيل هو الملك الأكبر. وهذا هو الأظهر لوجهين:

الأول: لقول يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ: { ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ }.

الثاني: أن قوله: { أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } يدلُّ على أنه قبل ذلك، ما كان خالصاً له، وكان خالصاً للعزيز، فدلَّ ذلك على أنَّ هذا الملك هو الملك الأكبر.

قوله: " فَلمَّا كَلَّمهُ " ، يجوز أن يكون الفاعل ضمير الملكِ، والمفعول ضمير يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو الظاهر؛ لأنَّ مجالس الملوكِ لا يحسنُ لأحدٍ أن يبدأ فيها بالكلام، وإنما الملك هو الذي يبدأ، ويجوز العكس، وفي الكلام اختصارٌ تقديره: فجاء الرسول يوسف، فقال له: أجب الملك الآن.

فصل

رُوِيَ أنَّه قام، ودعا لأهلِ السِّجن، فقال: اللَّهُمَّ اعطف عليهم قلوب الأخيار، ولا تعمِّ عليهم الأخبار، فهم أعلمُ النَّاس بالأخبار في كل بلدٍ.

فلما خرج من السِّجن، كتب على السجن: هذا قبرُ الأحياءِ، وبيتُ الأحزانِ، وتجربة الأصدقاءِ، وشماتةُ الأعداءِ، ثمَّ اغتسل، وتنظَّف من درنِ السِّجن، ولبس ثِياباً حسنة وقصد الملكَ.

وقال وهبٌ ـ رحمه الله ـ: كَانَ يوسفُ ـ يومئذ ـ ابن ثلاثين سنة، ولما دخل عليه دعا، وقال: اللهمَّ إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذُ بعزَّتكَ وقُدرتِكَ من شرِّه، ثمَّ سلَّم عليه العربيَّة، فقال الملك: ما هذا اللسانُ؟ قال: لِسانُ عمِّي، إسماعيل، ثم دعا لهُ بالعِبرانِيّةِ، فقال: ما هذا اللسانُ؟ قال: لِسانُ آبائي: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وكان الملك يتكلَّم بسبعين لساناً، وكُلمَّا كَلَّمَ يوسف بلسانٍ، أجابه بذلك اللسان؛ فأعجب الملك أمرهُ، كان يوسف إذ ـ ذاك ـ ابن ثلاثين سنة، فلما رآه الملكُ حدثاً شابًّا، قال للشرابي: هذا هو الذي علم تأويل رُؤياي؟ قال: نعم، فأقبل على يوسف، فقال الملك: أحبُّ أن أسمع منك تأويل رؤياي شفاهاً.

فأجابه بذلك الجواب شفاهاً، وشهد قلبه بصحته؛ فعند ذلك قال له الملك: { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } يقال: فلانٌ مكينٌ عند فلانِ، بَيِّنُ المكانة، أي: المنزلة، وهي حالةٌ يتمكن بها صاحبها مما يريد، وقوله: " أمِينٌ " أي: قد عرفنا أمانتكَ، وبراءتك مما نسبت إليه.

السابقالتالي
2 3