الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } * { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } * { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ } الآية.

" اعلم أنَّ الساقي لما رجع إلى الملك، وأخبره بما أفتاه يوسف من تأويل رؤياه، وعرف الملك أنَّ الذي قاله كائنٌ قال ائتُونِي به، فلمَّا جَاءه الرسُول قال: أجب الملكَ، فأبى أن يخرج مع الرسول، حتَّى تظهر براءته، فقال للرسول: ارْجِعْ إلى ربِّكَ، أي: سيِّدك، قال ـ عليه الصلاة السلام ـ: " عَجِبْتُ مِن يُوسفَ وكَرمهِ وصَبْرهِ واللهُ يَغْفرُ لهُ حِينَ سُئِلَ عَنِ البَقراتِ العِجِافِ والسِّمانِ، ولوْ كُنْتُ مَكانَهَ ما أخْبرْتُهمْ حتَّى أشْترطَ أنْ يُخْرِجُونِي ولقَدْ عِجِبْتُ منهُ حِينَ أتاهُ الرَّسولُ فقَال لَهُ: ارْجِعْ إلى ربِّك، ولوْ كُنْتُ مَكَانَهُ ولَبِثْتُ في السِّجن طول ما لبِثَ لأسْرعْتُ إلى الإجَابةِ وبَادرتُهُم البَابَ " ".

قال ابن الخطيب: الذي فعله يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الصَّبر، والتَّوقٌُّف إلى أن يفحص الملك عن حاله، هو الأليقُ بالحزم والعقل، وبيانه من وجوه:

الأول: أنه لو خرج في الحالِ، فربما كان يبقى في قلب الملك أثر ما، فلما التمس من الملكِ أن يفحص عن حال تلك الواقعةِ، دلَّ ذلك على براءته من التهمةِ، فبعد خروجه لا يقدر أحدٌ أن يلطِّخه بتلك الرذيلة، وأن يتوصل بها إلى الطعن فيه.

والثاني: أن الإنسان الذي يبقى في [السجن] اثنتي عشرة سنةً، إذا طلبه الملك، وأمر بإخراجه، فالظاهر أنه يبادرُ إلى الخروج، فحيث لم يخرج، عرف منه أنه في نهايةِ العقلِ، والصَّبر، والثباتِ؛ وذلك [يكون] سبباً لاعتقادِ البراءةِ فيه عن جميع أنواع التهم، وأن يحكم بأنَّ كلَّ ما قيل فيه، كان كذباً.

الثالث: أن التماسهُ من الملك أن يفحص عن حاله من تلك النسوةِ، يدل ـ أيضاً ـ على شدَّة طهارته، إذ لو كان ملوثاً بوجه ما، لكان يخاف أن يذكر ما سبق.

الرابع: أنه قال للشَّرابي: " اذكُرْنِي عندَ ربِّكَ " فبقي بسبب هذه الكلمة في السجن [بضع] سنين، وهنا طلبهُ الملك فلم يلتفت إليه، ولم يقمْ لطلبه وزناً، واشتغل بإظهار براءته من التُّهمةِ، ولعلَّه كان غرضه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ذلك ألاَّ يبقى في قلبه التفاتٌ إلى ردِّ الملك وقبوله، وكان هذا العمل جارياً مجرى التَّلافي، لما صدر منه من التوسُّلِ إليه، في قوله: " اذْكُرنِي عِندَ ربِّك " ، وليظهر هذا المعنى لذلك الشرابي؛ فإنه هو الذي كان واسطةً في الحالين معاً.

قوله: { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ } قرأ ابن كثير، والكسائي: " فَسَلهُ " ، بغير همز، والباقون: بالهمز؛ وهما لغتان.

والعامة على كسر نونِ " النِّسوةِ " وضمها عاصم في رواية أبي بكرٍ ـ رضي الله عنهما ـ وليست بالمشهورة، وكذلك قرأها أبو حيوة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7