الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ }

قوله تعالى: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } الآية، النسوة فيها أقوالٌ:

[أشهرها]: أنه جمعُ تكسير للقلَّة، على فعلة؛ كالصبية والغلمة، ونصَّ بعضهم على عدم أطَّرادها، وليس لها واحدٌ من لفظها.

الثاني: أنها اسمٌ مفردٌ، لجمع المرأة قاله الزمخشريُّ.

الثالث: أنَّها اسم جمعٍ؛ قاله أبو بكرِ بنُ السَّراج ـ رحمه الله ـ، وكذلك أخواتها، كالصِّبيةِ، والفِتْيَةِ.

وقيل: على كُلِّ قولٍ، فتأنيثها غير حقيقي، باعتبارِ الجماعةِ؛ ولذلك لم يلحق فعلها تاء التأنيث.

وقال الواحديُّ: تقديمُ الفعل يدعُو إلى إسقاطِ علامةِ التأنيثِ، على قياس إسقاط علامة التَّثنية، والجمع.

والمشهورُ: كسر نونها، ويجوز ضمُّها في لغةٍ، ونقلها أبو البقاءِ عن قراءة، قال القرطبي: وهي قراءة الأعمش، والمفضل والسلمي.

وإذا ضُمَّتْ نونه، كان اسم جمع بلا خلافٍ، ويكسَّرُ في الكثرة على نسوانٍ، والنساءُ: جمعٌ كثرةٍ أيضاً، ولا واحدَ لَهُ مِنْ لفظه، كذا قالهُ أبو حيَّان.

ومقتضى ذلك ألاَّ يكون النساءُ جمعاً لنسوةٍ؛ لقوله: لا واحِدَ له من لفظه.

و " فِي المَدينَةِ " يجوزُ تعلُّقه بمحذوفٍ، صفةٍ لـ " نِسْوةٌ " ، وهو ظاهرٌ، ويقال: ليس بظاهرٍ.

فصل في عدد النسوة

في: إنَّهن خمسُ: امرأة حاجب الملك، وامرأةُ صاحب دوابه، وامرأةُ الخازن، وامرأة السَّاقي، وامرأة صاحب السِّجن، قاله مقاتل.

وقال الكلبيُّ: أربعٌ؛ فأسقط امرأة الحاجب. والأشبه أنَّ تلك الواقعة شاعت في البلد، واشتهرت، وتحدث بها النساء، والمراد بالمدينة: مِصْرُ، وقيل: مدينة عَين شَمْسٍ.

قوله: " تُراودُِ " خبرُ " امْرأةُ العَزيزِ " ، وجيءَ بالمضارع، تنبيهاً على أنَّ المراودة صارت سجيةً لها، ودَيْدناً، دون الماضي فلم يقلْ: رَاودتْ، ولامُ الفتى ياءٌ؛ لقولهم: الفتيان، وفتى، وعلى هذا؛ فقولهم: الفُتُوَّة في المصدر شاذٌّ.

قال: " فَتَاهَا " ، وهو فتى زوجها؛ لأن يوسف كان عندهم في حكم المماليك، وكان ينفذُ أمرها فيه.

وروى مقاتلٌ، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال: " إنَّ امرأة العزيز استوهبتْ يوسف من زوجها، فوهبهُ لها، وقال: ما تصنعين به؟ قالت: أتخذه ولداً، قال: هو لك؛ فربَّتُهُ حتى [أيفع]، وفي نفسها منه ما في نفسها، فكانت تتكشَّف له، وتتزيَّن، وتدعوه من وجه اللُّطفِ؛ فعصمه الله ".

قوله: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } ، وهذه الجملة يجوز أن تكمون خبراً ثانياً، وأن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً؛ إمَّا من فاعل " تُرَاوِدُ " ، , وإمَّا من مفعوله، و " حُبًّا " تمييزٌ؛ وهو منقولٌ من الفاعليَّة، وإذ الأصل: قد شغفها حبُّه.

والعامةُ على " شَغَفَهَا " بالغين المعجمة المفتوحةِ، بمعنى: خَرقَ شِغافَ قلبها، وهو مأخوذٌ من الشِّغاف، والشِّغاف: حجابُ القلب، جليدةٌ رقيقةٌ، وقيل: سويداءُ القلبِ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد