قوله تعالى: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } الآية، النسوة فيها أقوالٌ: [أشهرها]: أنه جمعُ تكسير للقلَّة، على فعلة؛ كالصبية والغلمة، ونصَّ بعضهم على عدم أطَّرادها، وليس لها واحدٌ من لفظها. الثاني: أنها اسمٌ مفردٌ، لجمع المرأة قاله الزمخشريُّ. الثالث: أنَّها اسم جمعٍ؛ قاله أبو بكرِ بنُ السَّراج ـ رحمه الله ـ، وكذلك أخواتها، كالصِّبيةِ، والفِتْيَةِ. وقيل: على كُلِّ قولٍ، فتأنيثها غير حقيقي، باعتبارِ الجماعةِ؛ ولذلك لم يلحق فعلها تاء التأنيث. وقال الواحديُّ: تقديمُ الفعل يدعُو إلى إسقاطِ علامةِ التأنيثِ، على قياس إسقاط علامة التَّثنية، والجمع. والمشهورُ: كسر نونها، ويجوز ضمُّها في لغةٍ، ونقلها أبو البقاءِ عن قراءة، قال القرطبي: وهي قراءة الأعمش، والمفضل والسلمي. وإذا ضُمَّتْ نونه، كان اسم جمع بلا خلافٍ، ويكسَّرُ في الكثرة على نسوانٍ، والنساءُ: جمعٌ كثرةٍ أيضاً، ولا واحدَ لَهُ مِنْ لفظه، كذا قالهُ أبو حيَّان. ومقتضى ذلك ألاَّ يكون النساءُ جمعاً لنسوةٍ؛ لقوله: لا واحِدَ له من لفظه. و " فِي المَدينَةِ " يجوزُ تعلُّقه بمحذوفٍ، صفةٍ لـ " نِسْوةٌ " ، وهو ظاهرٌ، ويقال: ليس بظاهرٍ. فصل في عدد النسوة في: إنَّهن خمسُ: امرأة حاجب الملك، وامرأةُ صاحب دوابه، وامرأةُ الخازن، وامرأة السَّاقي، وامرأة صاحب السِّجن، قاله مقاتل. وقال الكلبيُّ: أربعٌ؛ فأسقط امرأة الحاجب. والأشبه أنَّ تلك الواقعة شاعت في البلد، واشتهرت، وتحدث بها النساء، والمراد بالمدينة: مِصْرُ، وقيل: مدينة عَين شَمْسٍ. قوله: " تُراودُِ " خبرُ " امْرأةُ العَزيزِ " ، وجيءَ بالمضارع، تنبيهاً على أنَّ المراودة صارت سجيةً لها، ودَيْدناً، دون الماضي فلم يقلْ: رَاودتْ، ولامُ الفتى ياءٌ؛ لقولهم: الفتيان، وفتى، وعلى هذا؛ فقولهم: الفُتُوَّة في المصدر شاذٌّ. قال: " فَتَاهَا " ، وهو فتى زوجها؛ لأن يوسف كان عندهم في حكم المماليك، وكان ينفذُ أمرها فيه. وروى مقاتلٌ، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال: " إنَّ امرأة العزيز استوهبتْ يوسف من زوجها، فوهبهُ لها، وقال: ما تصنعين به؟ قالت: أتخذه ولداً، قال: هو لك؛ فربَّتُهُ حتى [أيفع]، وفي نفسها منه ما في نفسها، فكانت تتكشَّف له، وتتزيَّن، وتدعوه من وجه اللُّطفِ؛ فعصمه الله ". قوله: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } ، وهذه الجملة يجوز أن تكمون خبراً ثانياً، وأن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً؛ إمَّا من فاعل " تُرَاوِدُ " ، , وإمَّا من مفعوله، و " حُبًّا " تمييزٌ؛ وهو منقولٌ من الفاعليَّة، وإذ الأصل: قد شغفها حبُّه. والعامةُ على " شَغَفَهَا " بالغين المعجمة المفتوحةِ، بمعنى: خَرقَ شِغافَ قلبها، وهو مأخوذٌ من الشِّغاف، والشِّغاف: حجابُ القلب، جليدةٌ رقيقةٌ، وقيل: سويداءُ القلبِ.