الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

قوله تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } [الآية:23] أعلم أنَّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان في غاية الجمال، فلما رأته المرأةُ؛ طمعت فيه.

" وَرَاوَدتْهُ " ، أي طالبته برفقٍ ولين قول، والمُراودَةُ: المصدرُ، والرِّيادةُ: طلب النِّكاحِ، يقال: رَاوَدَ فلانٌ جاريته عن نفسها، وراودته عن نفسه، إذا حاول كُلُّ واحدٍ منها الوطء، ومشى رويداً، أي: برفقٍ في مِشْيتهِ، والرَّودُ: الرِّفقُ في الأمورِ، والتَّأنِّي فيها، وراودت المرأةُ في مشيها ترودُ رَوَدَاناً من ذلك.

والمِرْودةٌ هذه الآية منه، والإرادة منقولة من رَادَ يَرُوُد إذا سعى في طلب حاجة، وتقدَّم ذلك في البقرة:[26].

وتعدى هنا بـ " عَنْ "؛ لأنه ضمن معنى خادعتهُ، أي: خادعته عن نفسه، والمفاعلة هنا من الواحدِ، نحو: داويت المريض، ويحتملُ أن تكون على بابها، فإنَّ كلاًّ منهما كان يطلبُ من صاحبه شيئاً برفق، هي تطلبُ منه الفعل، وهو يطلبُ منها التَّرْكَ.

والتشديدُ في " غَلّقتْ " للتكثير لتعدُّدِ المحالِّ، أي: أغلقت الأبواب وكانت سبعةً.

قال الواحدي: " وأصل هذا من قولهم في كلِّ فعل تشبث في شيء فلزمه قد غلق، يقال: غلق في الباطل، وغلق في غضبه، ومنه غلق الرهن ثم يعدى بالألف، فيقال: أغلق الباب إذا جعله بحيث يعسر فتحه، والسبب في تغليق الأبواب أنَّ [هذا الفعل] لا يُؤتى به إلاَّ في المواضع المستُورةِ لا سيَّما إذا كان حراماً، ومع الخوف الشديد ".

قوله: " هَيْتَ لَكَ " اختلف أهلُ النَّحو في هذه اللفظة، هل هي عربيةٌ أم معربةٌ؟.

فقيل: معربةٌ من القبطيَّة بمعنى: هلمَّ لك، قاله السديُّ. وقيل: من السِّريانيَّة، قاله ابن عبَّاس، والحسن. وقيل: من العبرانية، وأصلها: هَيْتَلخَ أي: تعاله فعربه القرآن، قاله أبو زيدٍ الأنصاري. وقيل: هي لغة حورانيَّة وقعت [إلى أهل] الحجاز، فتكلموا بها، معناها: تعال، قاله الكسائي والفراء، وهو منقولٌ عن عكرمة. والجمهور على أنَّها عربيةٌ.

قال مجاهدٌ: هي كلمةٌ حثِّ، وإقبال. ثمَّ هي في بعض اللغات تتعيَّن فعليتها وفي بعضها اسميتها، وفي بعضها يجوز الأمران كما ستعرفه من القراءات المذكورة فيها.

فقرأ نافع، وابن ذكوان: " هِيْتَ " بكسر الهاءِ، وسكون الياءِ، وفتح التَّاء.

وقرأ ابن كثير " هَيْتُ " بفتح الهاء، وسكون الياء، وتاء مضمومة. وقرأ هشام " هِئْتُ " بكسر الهاءِ، وهمزة ساكنة، وتاء مفتوحة، أو مضمومة. وقرأ الباقون: " هَيْتَ " بفتح الهاء، وياء ساكنة، وتاء مفتوحة. فهذه خمسُ قراءاتٍ في السَّبعِ.

وقرأ ابن عباسٍ، وأبو الأسود، والحسنُ، وابن محيصن بفتح الهاء، وياء ساكنة وتاء مكسورة. وحكى النحاس: أنه قرىء بكسر الهاء والتاء بينهما ياء ساكنة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد