الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله تعالى: { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } الآية في " عِشَاءً " وجهان:

أصحهما:ـ وهو الذي لا ينبغي أن [يقال] غيره ـ أنه ظرف، أي: ظرف زمان أي: جاءوا في هذا الوقت. قال أهل المعاني: جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب. و " يَبْكُونَ " جملة حالية، أي: جاءوه باكين.

والثاني: أن يكون " عِشَاءً " جمع عاشٍ، كقَائِم وقِيَام.

قال أبو البقاء: " ويقرأ بضم العين، والأصل: عُشَاة، مثل: غازٍ وغزاة فحذفت الهاء وزيدت الألف عوضاً عنها، ثم قلبت الألف همزة ".

وفيه كلام قد تقدم في آل عمران عند قولهأَوْ كَانُواْ غُزًّى } [آل عمران:156].

ويجوز أن يكون جمع فاعل على فعال، كما جمع فَعِيل على فُعال، لقرب ما بين الكسر والضم، ويجوز أن يكون كنؤام ورباب وهو شاذ.

وهذه قراءة الحسن، وهو من العشْوة. والعُشْوَة: هي الظلام. رواه ابن جني " عُشَاءً " بضم العين وقال: عشوا من البكاء. وقرأ الحسن: " عُشاً " على وزن " دُجَى " نحو غازٍ وغُزاة، ثم حذفت منه تاء التأنيث [كما حذفوا تاء التأنيث من] " مَألِكَة " فقالوا: مَألِك، وعلى هذه الأوجه يكون منصوباً على الحال. وقرأ الحسن أيضاً: " عُشَيًّا " مصغراً.

و " نَسْتَبْقُ " نتسابق. والافتِعَال والتَّفاعُل يشتركان نحو قولهم: نَنْتَضِل ونتناضل ونرتمي ونترامى، و " نَسْتَبِقَ " في محل نصب على الحال و " تَركْنَا " حال من نَسْتَبقُ و " قد " معه مضمرة عند بعضهم.

قال الزجاج: " يسابق بعضنا بعضاً في الرمي " ، ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام: " لا سَبقَ إلاَّ في نصْلٍ أو خفِّ أو حافرٍ " يعنى بالنصل: الرمي وأصل السبق: الرمي بالسهم، ثم يوصف المتراميان بذلك، يقال: استبقا وتسابقا: إذا فعلا ذلك السبق ليتبين أيهما أسبق.

ويدل على صحة هذا التفسير ما روي في قراءة عبد الله: " إنَّا ذَهبْنَا نَنْتضِلُ " وقال السدي ومقاتل: " نَسْتبِقُ " نشتد ونعدو.

فإن قيل: كيف جاز أن يستبقوا وهم رجال بالغون، وهذا من فعل الصبيان فالجواب: أن الاستباق منهم كان مثل الاستباق في الخيل، وكانوا يجربون بذلك أنفسهم ويدربونها على العدو، لأنه كالآلات لهم في محاربة العدو، وقوله " فأكلهُ الذِّئْبُ " قيل: أكل الذئب يوسف وقيل: عرَّضُوا، وأرادوا أكل الذئب المتاع، والأول أصح.

ثم قالوا: " ومَا أنْتَ بمُؤمٍن لنَا " ، أي بمصدق لنا. وقولهم " ولوْ كُنَّا صَادقينَ " جملة حالية، أي: ما أنت بمصدق لنا في كل حال حتى في حال صدقنا لما غلب على ظنك في تهمتنا ببغض يوسف وكراهتنا له.

السابقالتالي
2 3 4 5 6