الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ } أي: في خبر يوسف وإخوته، " عِبْرَةٌ ": موعظة " لأولِي الألبَابِ ".

قرأ أبو عمرو في رواية عبد الوارث، والكسائيُّ في رواية الأنطاكي: " قِصَصِهِمْ " بكسر القاف هو جمع قصَّة، وبهذه القراءة رجَّح الزمخشري عود الضمر في " قَصصِهمْ " في القراءة المشهورة على الرسل وحدهم.

وحكى غيره: أنه يجوز أن يعود على الرسل، وعلى يوسف وإخوته جميعاً كما تقدم.

قال أبو حيان: " ولا ينصره ـ يعني هذه القراءة ـ؛ إذ قصص يوسف، وأبيه، إخوته تشتمل على قصص كثيرة، وأنباء مختلفة ".

فصل

الاعتبار: عبارة عن العبور من الطريق المعلومة إلى الطريق المجهولة، والمراد منه: التأمُّل والتَّفكر، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور:

أحدها: أنَّ الذي قدر على إعزاز يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ، بعد إلقائه في الجبِّ وإعلائه بعد سجنه، وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون أنه عبد لهم وجمعه مع أبيه وإخوته على ما أحبَّ بعد المدة الطويلة؛ لقادرٌ على إعزاز محمد صلى عليه وسلم، وإعلاء كلمته.

وثانيها: أن الإخبار عنه إخبارٌ عن الغيب، وفكان معجزة دالَّة على صدق محمد صلوات الله وسلامه عليه ـ.

وثالثها: أنه قال في أوَّل السورة:نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف:3] ثم قال هنا: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } وذلك تنبيه على أن حسن هذه القصَّة، إنَّما هو لأجل حصول العبرة منها، ومعرفة الحكمة والقدرة.

فإن قيل: لم قال: { عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } مع أن قوم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا ذوي عقول وأحلام، وقد كان الكثير منهم لم يعتبرْ؟.

فالجواب: أنَّ جميعهم كانوا متمكِّنين من الاعتبار، والمراد من وصف هذه القصَّة بكونها عبرة كونها بحيث يعتبرها العاقل.

قوله { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } في " كَانَ " ضمير عائدٌ على القرآن، أي: ما كان القرآن المتضمن لهذه القصَّة الغريبة حديثاً مختلقاً.

وقيل: بل هو عائدٌ على القصص، أي: ما كان القصص المذكور في قوله: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ }.

وقال الزمخشري: " فإن قلت: فإلام يرجع الضمير في: { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } فيمن قرأ بالكسر؟ قلت: إلى القرآن أي: ما كان القرآن حديثاً ".

قال شهاب الدين: " لأنه لو عاد على " قِصَصِهم " بكسر القاف؛ لوجب أن يكون " كَانَتْ " بالتاء " لإسناد الفعل حينئذ إلى ضمير مؤنث، وإن كان مجازيًّا.

قوله: { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ } العامة عل نصب " تصديقَ " والثلاثة بعده، على أنَّها منسوقة على خبر " كان " أي: ولكن كان تصديق.

وقرأ حمران بن أعين، وعيسى الكوفي، وعيسى القفي: برفع " تَصْديقَ " وما بعده، على أنَّها أخبار لمبتدأ مضمر، أي: ولكن هو تصديق، أي: الحديث ذو تصديق، وقد سمع من العرب مثل هذا بالنصب والرفع؛ قال ذو الرمَّة: [الطويل]

السابقالتالي
2