الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } الآية: وهذا يدلُّ على أنَّه ما بعث رسولاً إلى الخلق من النِّسوان، ولا من أهل البادية، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " مَنْ بَدَا جَفَا ".

قول: " نُوحِي " العامة على " يُوحَى " بالياء من تحت مبنيًّا للمفعول.

وقرأ حفص: " نُوحِي " بالنون، وكسر الحاء مبنيًّا للفاعل، اعتباراً بقوله:وَمَآ أَرْسَلْنَا } [النحل:43] وكذلك قرأ ما في النحل، وأوَّل الأنبياء، ووافقه الأخوان على قوله: { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } في الأنبياء على ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ والجملة صفة لـ " رِجَالاً " و { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } صفة ثانيةٌ، وكان تقديم هذه الصِّفة على ما قبلها أكثر استعمالاً، لأنَّها أقرب إلى المفرد، وقد تقدَّم تحريره في المائدة.

فصل

قوله: { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي من أهل الأمصار دون أهل البوادي؛ لأن أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم.

قال الحسن: لم يبعث الله نبيًّا من أهل البادية ولا من الجن ولا من الملائكة وقيل إنما لم يبعث من أهل البادية لغلظهم وجفاهم كا تقدَّم.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني: [هؤلاء] المشركين المكذبين، { فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ }: آخر أمر، { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعنى: الأمم المكذِّبين فيعتبروا، { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } يقول ـ سبحانه وتعالى ـ: هذا فعلنا بأهل ولايتنا وطاعتنا أن نُنجِّهم عند نزول العذاب، وما في الدرار الآخرة لهم خير، فترك ذلك اكتفاء به لدلالة الكلام عليه، والمعنى: ولدار الحالِ الآخرة.

وقيل: هو إضافة الشيء إلى نفسه؛ كقوله:إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة:95]، وكقولهم: يومُ الخَميِسِ، وربيعُ الآخر، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فتؤمنون، قرأ نافع، وابن عامرٍ، ورواية عن عاصم: " تَعْقِلُون " بتاء الخطاب، والباقون بياء الغيبة.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ } الآية.

ليس في الكلام شيء يكون، " حتَى " غاية له؛ فلذلك اختلفوا في تقدير شيءٍ يصحُّ جعله مغيًّا بـ " حتَّى ".

فقدره الزمخشري: ما أرسلنا من قبلكَ رجالاً، فتراخى نصرهم حتَّى.

وقدره القرطبيُّ: ما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً، ثم لم نعاقب أممهم بالعقاب حتَّى إذا.

وقدره ابن الجوزي: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً، فدعوا قومهم فكذَّبوهم، فطال دعاؤهم، وتكذيب قومهم حتَّى إذا، وأحسنها المقدم.

وذكر ابن عطيَّة شيئاً من معنى قوله: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } فقال: ويتضمن قوله " أفَلمْ يَسِيرُوا " إلى من قبلهم، أنَّ الرُّسل الذين بعثهم الله ـ تعالى ـ من أهل القرى دعوهم، فلم يؤمنوا حتى نزلت به المُثُلاث، فصبروا في حيِّز من يعتبر بعاقبته؛ فلهذا المضمَّن حسن أن تدخل " حتَّى " في قوله: " حتَّى إذَا ".

السابقالتالي
2 3 4 5