الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

قوله: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } الآية قال أكثر المفسرين المراد: أبوه وخالته " ليَّا " وكانت أمه قد ماتت في نفاسها ببنيامين وقال الحسنُ: أبوه وأمه، وكانت حية.

وروي: أنَّ الله ـ تعالى ـ أحيَا أمّه حتَّى جاءت مع يعقوب إلى مصر حتَّى سجدت له تحقيقاً لرؤيا يوسف.

وقيل: إن الخالة أم كما أنَّ العم أبٌ، قال تعالى:إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [البقرة:133]، ومعنى { آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } ضمهما إليه، واعتنقهما.

فإن قيل: ما معنى دخولهما عليه قبل دخولهم مصر؟.

فالجواب: أنَّهُ حين استقبلهم أنزلهم في خيمة، أو بيت هناك، فدخلوا عليه وضم إليه أبويه وقال: { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } ، أي: أقيموا بها آمنين، سمَّى الإقامة دخولاً؛ لاقتران أحدهما بالآخر.

قال السديُّ في هذا الاستثناء قولان:

الأول: أنه عائدٌ إلى الأمن إلى الدخول، والمعنى: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، كقوله تعالى:لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } [الفتح:27].

وقيل: إنَّه عائدٌ إلى الدُّخول كما تقدَّم.

وقيل: " إنْ " هنا بمعنى: " إذْ " يريدُ: إن شاء الله، كقوله:وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران:139] أي: إذ كنتم مؤمنين.

ومعنى قوله: " آمِنينَ " أي على أنفسكم، وأموالكم، وأهليكم لا تخافون أحداً، وكان فيما سلف يخافون ملك مصر، وقيل: آمنين من القحطِ والشّدة وقيل آمنين من أن يضرهم يوسف بالجرم السالف.

{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ } من باب التَّغليب، يريد: أباه وأمه ـ أو خالته ـ { عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال أهل اللغة: العرشُ: السَّريرُ الرَّفيعُ، قال تعالى:وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل:23].

والرفع: هو النقل إلى العلو، و " سُجَّداً " حال.

قال أبو البقاء: " حال مقدرةٌ؛ لأنَّ السجود يكون بعد الخُرُورِ ".

فإن قيل: إن يعقوب ـ عليه السلام ـ كان أبا يوسف فحقُّه عظيم، قال تعالى:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء:23] فقرن حق الوالدين بحق نفسه، وأيضاً: فإنَّه كان شيخاً كبيراً [والشاب] يجبُ عليه تعظيم الشيخ وأيضاً: كان من أكابر الأنبياء، ويوسف، وإن كان نبياً إلا أن يعقوب كان أعلى حالاً منه.

وأيضاً: فإن جدّ يعقوب، واجتهاده في تكثير الطّاعات أكثر من جد يوسف، واجتماع هذه الجهات الكثيرةِ يوجب المبالغة في خدمة يعقوب، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب؟.

فالجواب من و جوه:

الأول: روى عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ المراد بهذه الآية أنهم خرُّوا سجداً لأجل وجدانه، فيكون سجود شكر لله تعالى لأجل وجدانه يوسف، ويدلُّ عليه قوله تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً }.

وذلك يشعر بأنهم صعدوا على السرير، ثمَّ سجدوا لله، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قل الصُّعود على السَّرير؛ لأنَّ ذلك أدخل في التَّواضع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7