الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

قوله تعالى: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: عليك وعلى أمتك، والمقصود: إذا جاء هذان الفعلان من غير نظر إلى متعلقهما، كقوله تعالى:أَمَاتَ وَأَحْيَا } [النجم: 44].

" أل " في " الفتح " عوض من الإضافة: أي: وفتحه عند الكوفيين، والعائد محذوف عند البصريين، أي: والفتح منه للدلالة على ذلك، والعامل في " إذا ": " جاء " وهو قول مكي، وإليه ذهب أبو حيَّان وغيره في مواضع وقد تقدم ذلك.

وإما " فسبِّح " ، وإليه نحا الزمخشريُّ والحوفي، والتقدير: فسبح بحمد ربك إذا جاء، ورده أبو حيَّان بأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها، وفيه بحثٌ تقدم بعضه في سورة " الضحى ".

فصل في الكلام على " نصر "

النصر: العون، مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيث الأرض، إذا أعان على إنباتها.

قال الشاعر: [الطويل]
5337- إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ الحَرامُ فَوَدِّعي   بِلادَ تَمِيمٍ وانصُرِي أرضَ عَامرِ
ويروى: [الطويل]
5338- إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ فَجَاوِزِي   بِلادَ تَمِيمٍ وَانْصُرِي أَرْضَ عَامِر
يقال: نصره على عدوه ينصره نصراً، أي: أعانه، والاسم: النُّصرة، واستنصره على عدوه، أي: سأله أن ينصره عليه، وتناصروا: نصر بعضهم بعضاً.

وقيل: المرادُ بهذا النصر: نصر الرسول - عليه الصلاة والسلام - على قريش قاله الطبري.

[وقيل نصره على من قاتله من الكفار وأن عاقبه النصر كانت له وأما الفتح فهو فتح مكة، قاله الحسن ومجاهد وغيرهما، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير هو فتح المدائن والقصور وقيل فتح سائر البلاد، وقيل ما فتحه عليه من العلوم، وقيل إذا بمعنى قد جاء نصر الله لأن نزولها بعد الفتح، ويجوز أن يكون معناه إذا يجيئك].

فصل في الفرق بين النصر والفتح

قال ابن الخطيب: الفرق بين النصر والفتح، الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقاً، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر، وعطف الفتح عليه، ويقال: النصرُ كمالُ الدينِ والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمةِ، كقوله تعالى:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة: 3].

والنَّصْر: الظَّفر في الدنيا، والفتح: بالجنة.

فصل في المراد بهذا النصر

قال ابن الخطيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مؤيداً منصوراً بالدلائل، والمعجزات، فما المعنى بتخصيص لفظ النصر بفتح " مكة "؟.

والجواب: أن المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع.

فإن قيل: النصر لا يكون إلا من الله تعالى، قال تعالى:وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 10] فما فائدة التقييد بقوله تعالى: { نَصْرُ ٱللَّهِ }؟.

فالجواب: معناه: لا يليق إلا بالله، كما يقال: هذه صنعة زيد، إذا كان مشهوراً، فالمراد هذا هو الذي سألتموه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8