الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً } قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: انطلقُوا من عند إبراهيم إلى " لُوطٍ " [و] بين القريتين أربعة فراسخَ، ودخلوا عليه على صورة غلمان مرد حسان الوجوه.

قوله: { سِيۤءَ بِهِمْ } فعلٌ مبنيٌّ للمفعول، والقائمُ مقامَ الفاعل ضمير " لُوطٍ " من قولك: " سَاءَنِي كَذا " أي: حصل لي سُوءٌ، و " بِهِمْ " متعلقٌ به، أي: بسببهم، يقال: سؤته فسيء كما يقال: سَرَرْتُه فَسُرَّ، ومعناهُ: سَاءَهُ مَجِيئُهم وسَاءَ يَسُوءُ فعل لازم.

قال الزجاجُ: " أصله " سُوىءَ بِهِمْ " إلاَّ أنَّ الواو أسكنت ونقلت كسرتها إلى السين ".

و " ذَرْعاً " نصبٌ على التَّمييز، وهو في الأصل مصدر ذرع البعير يذرع بيديه في سيره إذا سار على قدر خطوه، اشتقاقاً من الذِّراع، تُوسِّع فيه فوضع موضع الطَّاقة والجهد. فقيل: ضاقَ ذَرْعُه، أي طاقته؛ قال: [البسيط]
2999-..............................   فاقْدِرْ بِذرْعِكَ وانْظُرْ أيْنَ تَنْسَلِكُ
وقد يقعُ الذِّراعُ موقعهُ؛ قال: [الوافر]
3000- إذَا التَّيَّازُ ذُو العضلاتِ قُلْنَا   إلَيْكَ إلَيْكَ ضَاقَ بِهَا ذِرَاعا
قيل: هو كنايةٌ عن ضيق الصَّدْرِ.

وقوله: " عَصِيبٌ " العَصِبُ والعَصبْصَبُ والعَصُوب: اليومُ الشَّديدُ الكثيرُ الشَّرِّ، الملتفُّ بعضه ببعض قال: [الوافر]
3001- وكُنْتَ لِزازَ خَصْمِكَ لَمْ أعَرِّدْ   وَقَدْ سَلكُوكَ في يومٍ عَصِيبِ
وعن أبي عبيدة: " سُمِّي عصيباً؛ لأنَّه يعصبُ النَّاسَ بالشَّرِّ ". كأنَّه عصب به الشَّر والبلاء أي: حشدوا والعِصَابةُ: الجماعةُ من النَّاس سُمُّوا بذلك لإحاطتهم إحاطة العصابة.

والمعنى: أنَّ لوطاً لمَّا نظر إلى حسن وجوههم، وطيب روائحهم، أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشةِ، وعلم أنَّه سيحتاجُ إلى المدافعة عنهم، فلذلك ضاق بهم ذَرْعاً أي: قَلْباً.

يقال: ضَاقَ ذَرْعُ فلان بكذا، إذا وقع في مكروهٍ، ولا يطيقُ الخُروج منه.

قوله: { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ } " يُهْرَعُونَ " في محلِّ نصب على الحال. والعامَّةُ على " يُهْرَعُونَ " مبنياً للمفعول. وقرأت فرقة بفتح الياء مبنيّاً للفاعل من لغة " هَرَع " والإهراعُ: الإسْراعُ.

ويقالُ: هو المَشْيُ بين الهرولة والجمز.

وقال الهرويُّ: هَرَعَ وأهرع: استحث.

وقيل: " الإهراعُ: هو الإسْرَاع مع الرّعدة ".

قيل: هذا من باب ما جاء بصيغةِ الفاعلِ على لفظِ المفعولِ، ولا يعرف له فاعل نحو: أولع فلان، وأرْعِدَ زَيْدٌ، وزُهي عمرٌو من الزهو.

وقيل: لا يجوزُ ورود الفاعل على لفظ المفعول، وهذه الأفعالُ عرف فاعلوها. فتأويلُ أولع فلانٌ أي: أولعهُ حبُّه، وأرْعدَ زيدٌ أي: أرعده غضبه، وزُهي عَمْرٌو أي: جعله ما لهُ زاهياً، وأهرع فلانٌ أي: أهرعه خوفه، أو حرصه.

فصل

روي أنَّه لمَّا دخلت الملائكةُ دار لوط - عليه السلام - مضت امرأته فقالت لقومه: دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن منهم وجوهاً ولا أطيب منهم رائحة فـ " جَاءَهُ قَوْمُهُ " مسرعين { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي: من قبل مجيئهم إلى لوطٍ كانوا يأتون الرِّجال في أدبارهم، فقال لهم لوطٌ - عليه السلام -: حين قصدوا أضيافه فظنوا أنهم غلمان { يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يعني: بالتزويج.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9