الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } * { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } * { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } * { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } * { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }

قوله: { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } القصة.

قال النحويون: دخلت كلمة " قَدْ " هاهنا لأنَّ السَّامع لقصص الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يتوقع قصة بعد قصة، و " قَدْ " للتوقع، ودخلت اللاَّم في " لَقَدْ " تأكيداً للخبر.

فصل

لفظ " رُسُلُنَا " جمع وأقله ثلاثة، فهذا يدلُّ على أنهم كانوا ثلاثة، والزَّائِدُ على هذا العددِ لا يثبتُ إلاَّ بدليل آخر، وأجمعُوا على أنَّ الأصلَ فيهم كان جبريلُ - عليه السَّلامُ -.

قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما -: " كانوا ثلاثة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وهم المذكورون في الذَّارياتهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [الذاريات:24] وفي الحجروَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [الحجر:51].

وقال الضحَّاكُ: " كانوا تسعة ". وقال محمد بن كعب - رضي الله عنه - " كان جبريل ومعه سبعة " وقال السُّديُّ: " أحد عشر ملكاً " وقال مقاتل: " كانوا اثني عشر ملكاً على صور الغلمان الوضاء وجوههم ".

" بِٱلْبُـشْرَىٰ " بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل: بسلامة لوطٍ، وإهلاك قومه.

قوله: { قَالُواْ سَلاَماً }: في نصبه وجهان:

أحدهما: أنَّه مفعولٌ به، ثم هو محتملٌ لأمرينِ:

أحدهما: أن يراد قالوا هذه اللفظ بعينه، وجاز ذلك لأنَّه يتضمَّن معنى الكلام.

الثاني: أنَّهُ أراد قالوا معنى هذا اللفظ، وقد تقدَّم نحو ذلك في قوله تعالى:وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [البقرة:58].

وثاني الوجهين: أن يكون منصوباً على المصدر بفعل محذوفٍ، وذلك الفعلُ في محلِّ نصب بالقول، تقديره: قالوا: سَلَّمْنَا سلاماً، وهو من باب ما ناب فيه المصدرُ عن العامل فيه، وهو واجب الإضمار.

قوله: " سَلاَمٌ " في رفعه وجهان:

أحدهما: أنَّهُ مبتدأ وخبره محذوفٌ، أي: سلامٌ عليكم.

والثاني: أنَّه خبر مبتدأ محذوف أي: أمْرِي أو قَوْلِي سلام.

وقد تقدَّم أنَّ الرفع أدلُّ على الثُّبوتِ من النَّصْبِ [الفاتحة:2]، والجملة بأسرها - وإن كان أحد جزأيها محذوفاً - في محلِّ نصب بالقول؛ كقوله: [الطويل]
2985- إذَا ذَقْتُ فَاهَا قُلْتُ: طَعْمُ مُدَامَةٍ   .....................
وقرأ الأخوان: " قَالَ سِلْم " هنا وفي سورة الذَّاريات بكسر السين وسكون اللاَّم.

ويلزم بالضرورة سقوطُ الألف، قال الفرَّاءُ: " هُما لغتان كحِرْم وحَرَامٍ وحِلٍّ وحلالٍ "؛ وأنشد [الطويل]
2986- مَرَرْنَا فَقُلْنَا: إيهِ سِلْمٌ فَسلَّمَتْ   كَمَا اكْتَلَّ بالبَرْقِ الغَمَامُ اللَّوَائِحُ
يريد: سلامٌ؛ بدليل: فسلَّمَتْ.

وقال الفارسي: " السِّلْم " بالكسر ضد الحربِ، وناسبَ ذلك لأنَّهم لمَّا امتنعوا من تناول ما قدَّمهُ إليهم، أنكرهم، وأوجس منهم خيفة، فقال: أنا سِلْم، أي: مُسَالمكم غيرُ محارب لكم، فلم تمتنعوا من تناول طعامي؟

قال ابنُ الخطيب - رحمه الله -: وهذا بعيدٌ؛ لأنَّ على هذا التقدير ينبغي أن يكون تكلُّم إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بهذا اللفظ بعد إحضار الطَّعام، والقرآن يدل على أنَّ هذا الكلام قبل إحضار الطَّعام؛ لأنَّه تعالى قال: { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } والفاءُ للتَّعقيب، فدلَّ على أنَّ مجيئَهُ بالعجل الحنيذِ بعد السَّلام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9