الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

لمَّا أثبت بالدَّليلِ المتقدم كونه عالماً بالمعلومات، أثبت بهذا الدليل كونه قادراً على المقدورات وقد مضى تفسير { خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أول يونس.

قوله: { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } قال كعب الأحبار - رضي الله عنه -: خلق الله - عزَّ وجلَّ - ياقوتةً خضراء، ثمَّ نظر إليها بالهيبة فصارت ماءً يرتعدُ، ثمَّ خلق الرِّيح؛ فجعل الماء على متنها، ثمَّ وضع العرش على الماء. وقال غيره: إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - كان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وخلق القلم؛ فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه.

قالت المعتزلةُ: في الآية دلالة على وجودِ الملائكة قبل خلق السموات والأرض، لأن خلقهما: إمَّا أن يكون لمنفعة، أو لا لمنفعة والثاني عبث، فينبغي أنَّهُ خلقهما لمنفعة، وتلك المنفعة إمَّا أن تكون عائدة على الله تعالى وهو محالٌ، لكونه متعالياً عن النفع والضر؛ فلزم أن يكون نفعهما مختصٌّ بالغير، فوجب كون الغير حيّاً؛ لأنَّ غير الحيِّ لا ينتفع، وكلُّ من قال بذلك قال كان ذلك الحي من الملائكة.

فإن قيل: ما الفائدةُ في ذكر أنَّ عرشهُ كان على الماءِ قبل خلق السموات والأرض؟.

فالجوابُ أنَّ فيه دلالةً على كمالِ القدرة من وجوه:

أحدها: أنَّ العرش مع كونه أعظم من السموات والأرض كان على الماءِ؛ فلولا أنه تعالى قادرٌ على إمساكِ الثَّقيل بغير عمدٍ لما صحَّ ذلك.

وثانيها: أنَّه تعالى أمسك الماءَ لا على قرار، وإلاَّ لزم أن يكون أجسام العالمِ غير متناهية فدل على كمال القدرة.

وثالثها: أن العرش الذي هو أعظم المخلوقات قد أمسكه الله فوق سبع سموات من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه، فدل على كمال القدرة.

قوله: " لِيَبْلُوَكمْ " في هذه اللاَّم وجهان:

أحدهما: أنَّها متعلقةٌ بمحذوفٍ فقيل: تقديره: أعلم ذلك ليبْلُوكمْ، وقيل: ثمَّ جملٌ محذوفةٌ والتقدير: وكان خلقةُ لهما لمنافع يعودُ عليكم نفعها في الدُّنيا دون الآخرة، وفعل ذلك ليبلوكم.

وقيل: تقديره: وخلقكم ليبلوكم.

والثاني: أنها متعلقةٌ بـ " خلقكم ".

قال الزمخشريُّ: أي: خلقهُنَّ لحكمةٍ بالغةٍ وهي أن يجعلها مساكن لعباده وينعم عليهم فيها بصنوف النِّعمِ ويُكلِّفهم فعل الطَّاعاتِ واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبة، ولمَّا أشبه ذلك اختبارَ المختبر قال " ليبلُوَكمْ " ، يريد: ليفعل بكم ما يفعل المبتلي. واعلم أنه لمَّا بين أنه إنما خلق هذا العالم لأجل ابتلاء المكلَّفين وامتحانهم وجب القطع بحصول الحشر والنشر؛ لأنَّ الابتلاء والامتحان يوجب الرَّحمة والثَّواب للمحسن والعقاب للمسيء، وذلك لا يتمُّ إلاَّ بالاعتراف بالمعادِ والقيامة، فعند هذا خطاب محمداً صلى الله عليه وسلم وشرف، وكرم ومجد وبجل، وعظم، وقال: { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي: إنكم تنكرونَ هذا الكلام، وتحكمون بفساد القول بالبعث.

السابقالتالي
2