الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

ولما ذكر قصة عاد خاطب قوم محمدٍ صلى الله عليه وسلم فقال: { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال: سِيحُوا في الأرض فانظرُوا إليها واعتبروا.

قوله: " جَحَدُوا " جملةٌ مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بذلك، وليْسَتْ حالاً ممَّا قبلها، و " جَحَدَ " يتعدَّى بنفسه، ولكنه ضُمِّنَ معنى " كَفَر " ، فيُعدَّى بحرفه، كما ضمَّن " كَفَر " معنى " جَحَدَ " فتعدَّى بنفسه في قوله بعد ذلك: " كَفَرُوا ربَّهُمْ ".

وقيل: إنَّ " كَفَر " كـ " شَكَر " في تعدِّيه بنفسه تارةً وبحرفِ الجر أخرى.

واعلم أنَّه تعالى وصفهم بثلاث صفاتٍ.

الأولى: قوله: { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } أي: جحدوا دلائل المعجزات على الصِّدقِ، أو حجدُوا دلائل المحدثات على وجودِ الصانع الحكيمِ.

والثانية: قوله: { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } ومعناه: أنهم إذا عصوا رسُولاً واحداً؛ فقد عصوا جميع الرُّسُلِ لقوله:لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [البقرة:258].

والثالثة: قوله: { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } والمعنى: أنَّ السَّفلة كانُوا يقلدون الرؤساء في قولهممَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [المؤمنون:33].

وتقدَّم اشتقاقُ { الجبّار } [المائدة:22]. والعَنِيدُ والعَنُود والمُعَاند: المنازع المعارض قاله أبو عبيدٍ وهو الطَّاغي المتجاوزُ في الظُّلم من قولهم: " عَنَدَ يَعْنِد " إذا حاد عن الحقِّ من جانبٍ إلى جانب. ومنه " عندي " الذي هو ظرف؛ لأنه في معنى جانب، من قولك: عندي كذا، أي: في جانبي.

ثم قال: { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } أي: أردفُوا لعنة تلحقهم، وتصاحبهم في الدنيا وفي الآخرة. واللعنة: هي الإبعادُ، والطَّردُ عن الرَّحمةِ.

ثم بيَّن السَّبب في نزول هذه الأحوال فقال: { أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } أي: كفروا بربهم فحذف الباء. وقيل: هو من باب حذف المضافِ، أي كفروا نعمة ربِّهم.

ثم قال: { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } قيل: بُعْداً من رحمةِ الله، وقيل: هلاكاً. وللبعد معنيان:

أحدهما: ضدَّ القربِ، يقال منه: بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْداً.

والآخر: بمعنى الهلاك فيقال منه: بَعِد يَبعِدُ بَعَداً وبَعُداً.

فإن قيل: اللعن هو البُعْدُ، فلمَّا قال: { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } فما فائدةُ قوله: { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }؟.

فالجواب: كانوا عاديَيْن.

فالأولى هم قوم هود الذين ذكرهم الله في قولهأَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } [النجم:50].

والثانية أصحاب إرم ذات العمادِ.

وقيل: المبالغة في التَّنْصيصِ تدلُّ على مزيد التأكيد.