الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } * { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } * { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }

قوله تعالى: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } القصَّةُ: معطوفان على قوله:وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [هود:25] في عطف مرفوع على مرفوع ومجرور، كقولك: ضرب زيدٌ عمراً، وبكرٌ خالداً وليس من باب ما فُصِل فيه بين حرفِ العطفِ والمعطوفِ بالجارِّ والمجرور نحو: " ضَرَبْتُ زيداً، وفي السُّوق عَمْراً " فيجيءُ الخلافُ المشهورُ.

وقيل: بل هو على إضمار فعلٍ، أي: وأرْسَلْنَا هوداً، وهذا أوفق لطولِ الفصلِ.

و " هوداً " بدلٌ أو عطفُ بيان لأخيهم.

وقرأ ابنُ محيصنٍ " يَا قَوْمُ " بضم الميم، وهي لغةُ بعضهم يبنُون المضاف للياء على الضَّم كقوله تعالى:قَالَ رَبِّ ٱحْكُم } [الأنبياء:112] بضمِّ الباء، ولا يجوز أن يكون غير مضافٍ للياءِ كما سيأتي في موضعه إن شاء الله.

وقوله: { مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تقدَّم في الأعراف.

فصل

كان هود أخاهم في النسب لا في الدِّين؛ لأنه كان من قبيلةِ عادٍ، وهم قبيلةٌ من العربِ بناحية اليمنِ، كما يقالُ للرَّجُلِ: يا أخا تميم، ويا أخا سليمٍ، والمرادُ رجلٌ منهم.

فإن قيل: إنَّه تعالى قال في ابن نُوحإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [هود:46] فبيَّن أنَّ قرابة النَّسبِ لا تفيدُ إذا لم تَحْصُلْ قرابةُ الدِّين، وههنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدِّين، فما الفرقُ بينهما؟.

فالجوابُ: أنَّ المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ قومهُ كانُوا يستبعدُون في محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع أنَّهُ واحدٌ من قبيلتهم أن يكون رسولاً إليهم من عند الله، فذكر الله تعالى أنَّ هوداً كان واحداً من عاد، وأنَّ صالحاً كان واحداً من ثمود، لإزالة هذا الاستبعاد.

قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [الأعراف:65] وحدُوا الله، ولا تعبدُوا غيرهُ.

فإن قيل: كيف دعاهم إلى عبادةِ الله قبل إقامةِ الدَّلالة على ثبوت الإله تعالى؟.

فالجواب: أنَّ دلائل ثُبوتِ وجود الله تعالى ظاهرة، وهي دلائلُ الآفاق والأنفس، وقلَّما تُوجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله؛ ولذلك قال تبارك وتعالى في صفة الكفار:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان:25].

ثم قال: " إنْ أنتُمْ " ما أنتم " إلاَّ مُفْتَرُونَ " كاذبُون في إشراككم.

ثم قال: { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي: على تبليغ الرسالة جُعْلاً { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ } وهذا عينُ ما ذكره نوح - عليه الصلاة والسلام -.

قرأ نافع، والبزي بفتح ياء " فَطَرني " ، وأبو عمرو وقنبل بإسكانها. ومعنى " فَطَرني " خلقني، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أني مصيبٌ في المنع من عبادة الأوثان.

ثم قال: { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } آمنوا به، والاستغفارُ - ههنا - بمعنى الإيمان.

وقال الأصمُّ: { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي: سلُوه أن يغفر لكم ما تقدَّم من شرككم، ثم توبوا من بعده بالنَّدم على ما مضى، وبالعزمِ على أن لا تعودوا إلى مثله، فإذا فعلتُم ذلك فالله يكثرُ النّعْمَة عليكم.

السابقالتالي
2 3 4 5