الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } الآية.

قوله: " فَقَالَ " عطفٌ على " نَادَى ". قال الزمخشريُّ: فإن قلت: وإن كان النداءُ هو قوله " رَبّ " فكيف عطف " فقال رَبّ " على " نَادَى " بالفاء؟ قلت: أريد بالنداء إرادةُ النداء، ولو أريد النداء نفسه لجاء - كما جاء في قولهإِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } [مريم:3] -قَالَ رَبِّ } [مريم:4] بغير فاء.

فصل

تقدَّم الكلامُ في أنَّهُ هل كان ابناً له أم لا؟ فقوله: { رَبِّ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي } وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } لا خلف فيه { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } حكمت على قوم بالنَّجاةِ وعلى قوم بالكُفْر والهلاك؛ قال الله: { يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } واعلم أنَّه لمَّا ثبت بالدليل، أنه كان ابناً له، وجب أن يكون المراد: ليس من أهل دينك. وقيل: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك.

قوله: { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }: قرأ الكسائيُّ " عَمِلَ " فعلاً ماضياً، و " غيرَ " نَصْباً.

والباقون: " عَمَلٌ " بفتح الميمِ وتنوينه على أنه اسمٌ، و " غَيْرُ " بالرَّفع.

فقراءةُ الكسائي: الضميرُ فيها يتعيَّنُ عودهُ على ابنِ نوحٍ، وفاعل " عَمِلَ " ضميرٌ يعودُ عليه أيضاً، و " غَيْرَ " مفعولٌ به. ويجوزُ أن يكون نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، تقديره: عمل عملاً غير صالح كقولهوَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } [المؤمنون:51]. وقيل: إنه ذو عمل باطل فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه.

وأمَّا قراءةُ الباقين، ففي الضَّمير أربعة أوجهٍ:

أظهرها: أنَّه عائدٌ على ابن نوحٍ، ويكونُ في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في " رجل عدل " ، و " زيْدٌ كرمٌ وجُودٌ ".

والثاني: أنه يعودُ على النداء المفهوم من قوله: " ونَادَى " أي: نداؤك وسؤالك.

وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكيٌّ والزمخشريُّ. وهذا فيه خطرٌ عظيمٌ، كيف يقال ذلك في حقِّ نبي من الأنبياءِ، فضلاً عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض بعد آدم - عليهما الصلاة والسلام -؟ ولمَّا حكاه الزمخشريُّ قال: " ليسَ بذاك " ولقد أصاب. واستدلَّ من قال بذلك أنَّ في حرف عبد الله بن مسعود إنَّه عملٌ غيرُ صالحٍ أن تسألني ما لَيْسَ لك به علمٌ وهذا مخالفٌ للسَّواد.

الثالث: أنَّهُ يعودُ على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله: " اركب مَعَنَا ".

الرابع: أنَّهُ يعودُ على تركه الرُّكُوب، وكونه مع المؤمنين، أي: إنَّ تركه الركوبَ مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عملٌ غير صالح، وعلى الأوجه لا يحتاج في الإخبار بالمصدر إلى تأويلٍ؛ لأنَّ كليهما معنى من المعاني، وعلى الوجه الرابع يكون من كلام نوح - عليه الصلاة والسلام -، أي: إنَّ نوحاً قال: إنَّ كونك مع الكافرين وتركك الركوبَ معنا عمل غيرُ صالحٍ، بخلاف ما تقدَّم فإنَّه من قول الله تعالى فقط، هكذا قال مكيٌّ وفيه نظرٌ، بل الظَّاهرُ أنَّ الكلَّ من كلام الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4