الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } * { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } * { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } * { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

" كِتَابٌ " يجوز أن يكون خبراً لـ: " ألف لام راء " ، أخبر عن هذه الأحرف بأنَّها كتابٌ موصوفٌ بكَيْتَ وكَيْتَ.

قال الزجاج: هذا غلطٌ؛ لأنَّ " الر " ليس هو الموصوف بهذه الصِّفة وحده قال ابنُ الخطيب: وهذا اعتراضٌ فاسدٌ؛ لأنَّه ليس من شرط كون الشَّيء مبتدأ أن يكون خبره محصوراً فيه، ويجُوزُ أن يكون خبر ابتداءٍ مضمرٍ تقديره: ذلك كتابٌ.

قال ابن الخطيب: " وهذا عندي ضعيفٌ لوجهين ":

الأول: أنَّه على هذا التقدير يقعُ قوله: " الر " كلاماً باطلاً لا فائدة فيه.

والثاني: أنك إذا قلت: هذا كتابٌ، فقولك: " هذا " يكون إشارة إلى الآيات المذكورات، وذلك هو قوله: " الر " فيصير حينئذ " الر " مخبراً عنه بأنه { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }. وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله:ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة:2] قوله: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } في محلِّ رفع صفةً لـ " كِتابٌ " ، والهمزةُ في " أُحْكِمَتْ " يجوز أن تكون للنَّقل من حَكُمَ بضمِّ الكافِ، أي: صار حكيماً بمعنى جعلت حكيمةٌ، كقوله:تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } [لقمان:2]. ويجوز أن يكونَ من قولهم: " أحْكمتُ الدَّابَّة " إذا وضعتَ عليها الحكمة لمنعها من الجماحِ؛ كقول جريرٍ: [الكامل]
2941- أبَنِي حَنيفَةَ أحْكمُوا سُفَهَاءكُمْ   إنِّي أخافُ عليْكمُ أنْ أغْضَبَا
فالمعنى: أنَّها مُنِعَتْ من الفسادِ.

ويجوز أن يكون لغيرِ النَّقل، من الإحكام وهو الإتقان كالبناءِ المحكمِ المرصفِ، والمعنى: أنَّها نُظِمَتْ نظماً رصيناً متقناً.

ويجوز أن يكون قوله: " أحْكِمَتْ " أي: لم تُنسخْ بكتابٍ كما نُسِخت الكُتُبُ والشَّرائع بها.

قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -.

قوله: " ثُمَّ فُصِّلَتْ " " ثُمَّ " على بابها من التَّراخي؛ لأنَّها أحكمت ثُمَّ فُصِّلت بحسب أسبابِ النُّزُولِ.

وقرأ عكرمةُ والضحاكُ والجحدريُّ وزيدُ بنُ عليٍّ وابن كثير في رواية " فَصَلَتْ " بفتحتين خفيفة العين.

قال أبو البقاء: والمعنى: فرقَتْ، كقوله:فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ } [البقرة:249]، أي: فارق وفسَّرها غيرهُ، بمعنى فصلتْ بين المُحِقِّ والمُبطلِ، وهو أحسنُ.

وجعل الزمخشريُّ " ثم " للتَّرتيب في الإخبار لا لترتيب الوقوع في الزَّمانِ، فقال: فإن قلت: ما معنى " ثُمَّ "؟

قلت: ليس معناها التَّراخِي في الوقت، ولكن في الحالِ، كما تقولُ: هي محكمةٌ أحسن الإحكام، مفصَّلةٌ أحسن التَّفصيل، وفلانٌ كريمُ الأصل، ثُمَّ كريمُ الفعل.

وقرىء أيضاً: " أحْكمتُ آياتِهِ ثُمَّ فصَّلتُ " بإسناد الفعلين إلى " تاءِ " المتكلم، ونصب " آياته " مفعولاً بها، أي: أحكمتُ أنا آياته، ثم فصَّلتها، حكى هذه القراءة الزمخشري.

فصل

قال الحسن: أحكمت بالأمْر والنَّهي، ثم فصِّلت بالوَعْد والوعيد وقال قتادةٌ: أحْكمَها اللهُ فليس فيها اختلاف ولا تناقض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6