الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } * { وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } الآية.

اعلم أنَّه جرت عادته - تعالى - في القرآن بأنَّهُ إذا أورد على الكافر الدَّلائل أتبعها بالقصص ليُؤكِّد تلك الدَّلائل، وقد بدأ بذكر هذه القصَّة في سورة يونس، وأعادها ههنا لما فيها من زوائد الفوائد.

قوله { إِنَّي لَكُمْ } قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح همزة " إني " ، والباقون بكسرها.

فأمَّا الفتحُ فعلى إضمارِ حرفِ الجرِّ، أي: " بأنِّي لَكُمْ ".

قال الفارسيُّ: في قراءةِ الفتح خروجٌ من الغيبةِ إلى المخاطبةِ.

قال ابن عطية: وفي هذا نظر، وإنَّما هي حكايةُ مخاطبته لقومه، وليس هذا حقيقة الخروج من غيبةٍ إلى مخاطبة، ولو كان الكلامُ أن أنذرهم ونحوه لصحَّ ذلك.

وقد قال بهذه المقالة - أعني الالتفات - مكي - فإنَّهُ قال: الأصل: بأنِّي، والجارُّ والمجرور في موضع المفعول الثاني، وكان الأصلُ: أنَّهُ، لكنَّهُ جاء على طريق الالتفات.

ولكن هذا الالتفات غيرُ الذي ذكره أبو علي، فإنَّ ذلك من غيبة إلى خطابٍ، وهذا من غيبةٍ إلى تكلم وكلاهما غير محتاج إليه، وإن كان قولُ مكي أقربَ.

وقال الزمخشري: الجارُّ والمجرور صلةٌ لحالٍ محذوفة، والمعنى: أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام، وهو قوله: { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } بالكسر، فلمَّا اتصل بها الجارُّ فُتِح كما فتح " كأنَّ " والمعنى على الكسر في قولك " إنَّ زيداً كالأسد " ، وأمَّا الكسرُ، فعلى إضمار القول، أي: فقال، وكثيراً ما يُضْمر، وهو غني عن الشَّواهد.

و " النذيرُ " قيل: المرادُ به كونه مهدداً للعصاة بالعقاب، ومن المبين كونه مبيناً ما أعد الله للمطيعين من الثواب، وأنه يبين ذلك الإنذار على أكمل طرقه، ثم بيَّن تعالى أنَّ ذلك الإنذار إنما هو بنهيهم عن عبادة غير الله، والأمر بعبادته - جل ذكره -؛ لأنَّ قوله { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } استثناء من النَّهْي، فهو يوجب نفي غير المستثنى، وإيجاب المستثنى.

قوله: { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ } كقوله: { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ } في أول السورة، ونزيد هنا شيئاً آخر، وهو أنَّها على قراءةِ من فتح " أني " تحتملُ وجهين:

أحدهما: أن تكون بدلاً من قوله: " أنِّي لَكُم " ، أي أرْسلناهُ بأن لا تَعْبُدُوا.

والثاني: أن تكون مفسِّرة، والمفسَّر بها: إمَّا " أرْسَلناهُ " وإما " نَذِيرٌ ".

وأمَّا على قراءة من كسر فيجوزُ أن تكون المصدرية وهي معمولةٌ لـ " أرسلنا " ويجوزُ أن تكون المفسرة بحاليها.

قوله: " أليم " إسناد الألم إلى اليوم مجازٌ لوقوعه فيه لا بِهِ.

وقال الزمخشريُّ: فإذا وُصِفَ به العذابُ قلت: مجازٌ مثله؛ لأنَّ الأليمَ في الحقيقة هو المعذِّب، ونظيرها قولك نهارُكَ صائمٌ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد