الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } * { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ } من الآية.

لمَّا بيَّن أنَّ الأمم المتقدمين حلَّ بهم عذاب الاستئصال، بيَّن أنَّ السبب فيه أمران:

الأول: أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض، فقال: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ } ، " لوْلاَ " تحضيضية دخلها معنى التَّفجُّع عليهم، وهو قريبٌ من مجاز قوله تعالى:يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } [يس:30] وما يروى عن الخليل - رحمه الله - أنه قال: كل ما كان في القرآن من " لَوْلاَ " فمعناه " هَلاَّ " إلاَّ التي في الصافات " فلوْلاَ أنَّهُ " ، لا يصحُّ عنه لورودها كذلك في غير الصافاتلَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ } [القلم:49]وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ } [الإسراء:74]وَلَوْلاَ رِجَالٌ } [الفتح:25].

و " مِنَ القُرونِ " يجوز أن يتعلَّق بـ " كان "؛ لأنَّها هنا تامَّة،إذ المعنى: فهلاَّ وُجِد من القُرونِ، أو حدث، أو نحو ذلك، ويجُوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من: " أُولُوا بقيَّةٍ " لأنه لو تأخَّر عنه لجاز أن يكون نعتاً لهُ، و " مِن قَبْلِكُم " حالٌ من " القُرُون " و " يَنْهَون " حالٌ من " أولوا بقيَّة " لتخصُّصه بالإضافةِ، ويجوز أن يكون نعتاً لـ " أُولُوا بقيَّّةٍ " وهو أولى.

ويضعفُ أن تكون " كان " هذه ناقصة لبُعْد المعنى من ذلك، وعلى تقديره يتعيَّن تعلُّق " من القُرونِ " بالمحذُوف على أنَّهُ حالٌ؛ لأنَّ " كَانَ " النَّاقصة لا تعملُ عند جمهور النُّحاةِ، ويكون " يَنْهَوْنَ " في محلِّ نصب خبراً لـ " كان ".

وقرأ العامَّةُ " بقيَّة " بفتح الباء وتشديد الياءِ، وفيها وجهان:

أحدهما: أنَّها صفةٌ على " فَعِيلة " للمبالغةِ، بمعنى " فاعل "؛ وذلك دخلت التَّاءُ فيها، والمرادُ بها حينئذٍ جُنْد الشيء وخياره، وإنَّما قيل لجنْدِه وخياره: " بقيَّة " في قولهم: فلان بقيةُ النَّاس، وبقيةُ الكرام؛ لأنَّ الرَّجُل يستبقي ممَّا يخرجه أجوده وأفضله والرجل يبقى بعده ذكر جوده وفضله؛ وعليه حمل بيتُ الحماسِة: [البسيط]
3040- إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ تَأتينِي بقِيَّتُكُمْ   .................
وفي المثل: " في الزَّوايا خبايا، وفي الرِّجالِ بَقايَا ".

والثاني: أنَّها مصدرٌ بمعنى البقوى قال الزمخشريُّ ويجوزُ أن تكون البقيَّة بمعنى البَقْوَى كالتقيَّة بمعنى التَّقوى، أي: فهلا كان منهم ذوو إبقاءٍ على أنفسهم، وصيانةٍ لها من سخطِ الله وعقابه. والمعنى: فهلاّ كان منهم أولوا مراقبة وخشية من انتقام الله.

وقرأت فرقةٌ " بَقِيَة " بتخفيفِ الياءِ، وهي اسمُ فاعل من بقي كـ: شَجِيَة من شَجِي، والتقدير أولُوا طائفةٍ بقيةٍ أي: باقية. وقرأ أبو جعفرٍ وشيبة " بُقْية " بضمِّ الفاء وسكون العين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7