الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } * { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } الآية.

لمَّا بيَّن إصرار كُفَّار مكَّة على إنكارِ التَّوحيدِ، وبيَّن إصرارهم على إنكار نُبُوَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم بكتابه، بيَّن أنَّ هؤلاء الكُفَّار كانوا على هذه السيرة الفاجرةِ، مع كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وضرب لذلك مثلاً، وهي إنزالُ التوراة على موسى فاختلفوا فيه فقبله بعضهم وأنكره بعضهم، وذلك يدلُّ على أنَّ عادة الخلق هكذا.

قوله: { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } أي: في الكتابِ، و " في " على بابها من الظَّرفية، وهو هنا مجاز، أي: في شأنه. وقيل: هي سببية، أي: هو سببُ اختلافهم، كقوله تعالى:يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } [الشورى:11] أي: يُكثِّركم بسببه. ومعنى اختلافهم فيه: أي: فمن مصدق به ومكذب كما فعل قومك بالقرآن، يُعَزِّي نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم.

وقيل: " فِي " بمعنى " عَلَى " ويكون الضَّمير لموسى - عليه الصلاة والسلام - أي: فاختلف عليه { ولْولاَ كملةٌ سبقتْ من ربِّكَ } في تأخير العذاب عنهم: " لقُضِيَ بينَهُم " أي: لعذِّبُوا في الحالِ، لكن قضاؤه أخَّر ذلك عنهم في دنياهم.

وقيل: معناه أنَّ الله إنَّما يحكم بين المختلفين يوم القيامة، وإلاَََّ لكان الواجب تمييز المُحقِّ من المبطل في دار الدنيا.

وقيل: المعنى ولولا أنَّ رحمته سبقت غضبه، وإلاَّ لقضي بينهم. ثم قال: { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } يعني أنَّ كفَّار مكَّة لفي شكٍّ من هذا القرآن " مُريبٍ " من أراب إذا حصل الرَّيب لغيره، أو صار هو في نفسه ذا رَيْب، وقد تقدَّم.

قوله تعالى: { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم } الآية.

هذه الآية الكريمة ممَّا تكلم النَّاس فيها قديماً وحديثاًً، وعسر على أكثرهم تلفيقها وتخريجاً فقرأ نافع وابن كثير وأبو بكر عن عاصم " وإنْ " بالتخفيف، والباقون بالتشديد. وأمَّا " لمّا " فقرأها مشدَّدةً هنا وفي " يس " وفي سورةِ الزخرف، وفي سورة الطارق، ابن عامر وعاصمٌ وحمزة، إلاَّ أنَّهُ عن ابن عامر في الزخرف خلافاً، فروى عنه هشامٌ وجهين، وروى عنه ابن ذكوان التخفيف فقط، والباقون قرءوا جميع ذلك بالتخفيف، وتلخَّص من هذا أنَّ نافعاً وابن كثير قرأ " وإنْ " و " لمَا " مخففتين، وأنَّ أبا بكر عن عاصمٍ خفَّف " إنْ " وثقَّل " لمَّا " وأنَّ ابن عامر وحمزة وحفصاً عن عاصم شدَّدُوا " إنَّ " و " لمَّا " معاً، وأن أبا عمرو والكسائي شدَّدَا " إنَّ " وخففا " لما " فهذه أربعُ مرات للقراء في هذين الحرفين، هذا في المتواتر.

وأمَّا في الشَّاذ فقد قرىء أربعُ قراءاتٍ أخر:

إحداها: قراءة أبي والحسن وأبان بن تغلب " وإنْ كلٌّ " بتخفيفها، ورفع " كل " ، و " لمَّا " بالتشديد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد