الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } * { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }

قوله: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ } الآية.

" ذلك " إشارة إلى الغائبِ، والمرادُ منه ههنا الإشارة إلى القصص المتقدمة، وهي حاضرة إلاَّ أنَّ الجواب عنه تقدَّم في قوله:ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [البقرة:2].

ولفظ " ذلك " إشارة إلى الواحد والجماعة، كقوله:لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة:68].

ويحتمل أن يكون ذلك الذي ذكرناهُ هو كذا وكذا.

قال الزمخشريُّ: " ذلك " مبتدأ، و " نقُصُّهُ عليْكَ " خبرٌ بعد خبر، أي ذلك المذكور بعض أنباء القرى مقصوص عليك وقال شهابُ الدِّين: يجُوزُ أن يكون " نَقُصُّه " خبراً و " مِنْ أنباء " حال، ويجوزُ العكسُ، قيل: وثمَّ مضافٌ محذوف، أي من أنباءِ أهل القرى، ولذلك أعاد الضمير عليهم في قوله: " ومَا ظَلمْنَاهُم ".

ثم قال: ويجُوزُ في " ذلك " أوجه:

أحدهما: أنَّه مبتدأ كما تقدم [هود:49].

والثاني: أنَّهُ منصوبٌ بفعلٍ مقدر يفسِّره " نَقُصُّه " فهو من باب الاشتغال، أي: نقُصُّ ذلك في حال كونه من أنباء القرى، وقد تقدَّم في قوله:ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ } [يوسف:44] أوجه، وهي عائدةٌ هنا.

قوله: { مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } " حصيدٌ " مبتدأ محذوفُ الخبر، لدلالة خبر الأوَّلِ عليه، أي: ومنها حصيد، وهذا لضرورة المعنى.

و " الحَصِيدُ " بمعنى المحصودِ، وجمعه: حَصْدَى وحِصَادٌ مثل: مريضٌ ومَرْضَى ومِرَاضٌ، وهذا قول الأخفشِ، ولكن باب " فَعِيل " ، و " فَعْلَى " أن يكون في العقلاء؛ نحو: قَتِيل وقَتْلَى. والضميرُ في " مِنْهَا " عائدٌ على القرى، شبه ما بقي من آثار القرى وجدرانها بالزرع القائم على ساقة، وما عفا منها وبطل بالحصيد.

والمعنى: أنَّ تلك القرى بعضها بقي منه شيء وبعضها هلك وما بقي منه أثر ألبتَّة.

قال بعضُ المفسرين: القائمُ: العامر، والحصيدُ: الخرابُ: وقيل: القائمُ ما بقيت حيطانه، وسقطت سقوفه، وحصيد: انمحى أثره. وقال مقاتلٌ: قائم يرى له أثر، وحصيد لا يرى له أثر.

ثم قال: " وَمَا ظَلمْنَاهُم " بالعذاب والإهلاك: { وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالكُفْرِ والمعصية وقيل: الذي نزل بالقوم ليس بظلم من الله، بل هو عدلٌ وحكمةٌ؛ لأنَّ القوم أولاً ظلموا أنفسهم بإقدامهم على الكفر والمعاصي، فاستوجبوا بتلك الأعمالِ من الله العذاب.

وقال ابن عباس: وما نقصناهم في الدنيا من النعم والرزق، ولكن نُقِصُوا حظ أنفسهم حيثُ استخفُّوا بحقوقِ الله تعالى.

{ فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي: ما نفعتهم تلك الآلهة في شيء ألبتة.

قوله: { لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } أي: عذاب ربك.

قال الزمخشريُّ: " لمَّا " منصوب بـ " أغْنَتْ " وهو بناءً منه على أنَّ " لمَّا " ظرفية.

السابقالتالي
2