الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } ، هذه قراءة الجمهور، أعني: فتح الراء وحذف الألف للجزم.

وقرأ السلمي: " تَرْ " بسكون الراء، كأنه لم يعتمد بحذف الألف.

وقرأ أيضاً: " ترأ " بسكون الراء وهمزة مفتوحة، وهو الأصل، و " كَيْفَ " معلقة للرؤية، وهي منصوبة بفعل بعدها، لان " ألَمْ تَر كَيفَ " من معنى الاستفهام.

فصل في معنى الآية

المعنى: الم تخبر.

وقيل: ألم تعلم.

وقال ابن عباس: ألم تسمع؟ واللفظ استفهام والمعنى تقرير، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه عام، أي: ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؟ أي: قد رايتم ذلك، وعرفتم موضع منتي عليكم، فما لكم لا تؤمنون؟.

فصل في لفظ " الفيل "

الفيل معروف، والجمع: أفيال، وفيول، وفيلة.

قال ابن السكيت: ولا يقال: " أفيلة " والأنثى فيلة، وصاحبه: فيال.

قال سيبويه: يجوز أن يكون أصل " فيل ": " فُعْلاً " فكسر من أجل الياء، كما قالوا: أبيض وبيض.

وقال الأخفش: هذا لا يكون في الواحد، إنما يكون في الجمع، ورجل فيلُ الرأي، أي: ضعيف الرأي والجمع: أفيال، ورجل فالٌ: أي: ضعيف الرأي، مخطئ الفراسة، وقد فال الرأي، يفيلُ، فيُولة، وفيَّل رأيه تفييلاً: أي: ضعفه، فهو فيِّلُ الرأي.

فصل في نزول السورة

روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم - ملك " اليمن " - بنى كنيسة بـ " صنعاء " لم ير مثلها، وسمَّاها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من بني كنانة مختفياً، وجعل يبولُ ويتغوطُ في تلك الكنيسة ليلاً، فأغضبه ذلك.

وقيل: أجج ناراً فحملتها ريح فاحرقتها، فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: رجل من أهل البيت الذي يحج العرب إليه، فحلف ليهدمنَّ الكعبة، فخرج بجيشه ومعه فيلٌ اسمه محمود، وكان قويًّا عظيماً وثمانية أخرى. وقيل: اثنا عشر. وقيل: ألف، وبعث رجلاً إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل، فزاد ذلك أبرهة غضباً وحنقاً، فسار ليهدم الكعبة، فلما بلغ قريباً من " مكة " خرج إليه عبد المطلب، وعرض عليه ثلث أموال " تهامة " ، ليرجع فأبى، وقدم الفيل، فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك، وإذا وجهوه إلى " اليمن " ، أو إلى سائر الجهات هرول، ثم إن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليهم بسببها، فلما رآه أبرهة عظم في عينه، وكان رجلاً جسيماً وقيل له: هذا أسد قريش، وصاحب عير " مكة " ، فنزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على بساطه، ثم قال لترجمانه: قل له حاجتك، فلما ذكر حاجته قال له: سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينُك، ودين آبائك، لا تكلمني فيه، وألهاك عنه ذود لم أحسبها لك، فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل، وإنَّ للبيت ربًّا سيمنعه، ثم رجع وأتى البيت، فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفرٌ من قريش يدعون الله تعالى، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب: [مجزوء الكامل]

السابقالتالي
2 3 4 5