الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } * { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } * { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

قوله تعالى: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } ، " ألْهَاكُم ": شغلكم؛ قال امرؤُ القيسِ: [الطويل]
5295- …………....................   فألْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْولِ
أي: شغلكم المباهاة، بكثرة المال والعدد عن طاعة الله، حتَّى متم ودفنتم في المقابر.

قال ابن عباس والحسن: " ألْهَاكُم ": أنساكم، " التَّكاثرُ " ، أي: من الأموال، والأولاد قاله ابن عباسٍ والحسنُ وقتادةُ أي: التَّفاخر بالقبائل والعشائر، وقال الضحاك: ألهاكم التشاغل بالمعاش والتجارة، يقال: لهيت عن كذا - بالكسر - ألهى لهياً، ولهياناً: إذا سلوت عنه، وتركت ذكره، وأضربت عنه، وألهاه: أي: شغله، ولهاه به تلهيه: أي: تملله والتكاثر: المكاثرة قال قتادةُ ومقاتل وغيرهما: نزلت في اليهود حين قالوا: نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً.

وقال ابن زيد: نزلت في فخذ من الأنصار.

وقال ابن عباسٍ: ومقاتل، والكلبي: نزلت في حيين من قريش: بني عبد مناف، وبني سهم، تعادوا وتكاثروا بالسادة، والأشراف في الإسلام، فقال كل حي منهم: نحن أكثر سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، وأكثر عائذاً، فكثر بنو عبد مناف سهماً، ثم تكاثروا بالأموات، فكثرتهم سهم، فنزلت: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } بأحيائكم فلم ترضوا { حتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ } مفتخرين بالأموات.

وعن عمرو بن دينار: حلف أن هذه السورة نزلت في التجار.

وعن شيبان عن قتادة، قال: نزلت في أهل الكتاب.

قال القرطبي: " والآية تعمّ جميع ما ذكر وغيره ".

وروى ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَوْ أنَّ لابْنِ آدَمَ وادِياً مِنْ ذَهَبٍ، لأحَبَّ أنْ يكُونَ لَهُ وادِيانِ، ولنْ يَمْلأ فَاهُ إلاَّ التُّرابُ، ويتُوبُ اللهُ على مَنْ تَابَ " ، رواه البخاري.

قال ثابت عن أنس عن أبيّ: كنا نرى هذا من القرآن، حتى نزلت: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ }. رواه البخاري.

قال ابن العربي: وهذا نصٌّ صريح، غاب عن أهل التفسير [فجهلوا وجهَّلوا، والحمد لله على المعرفة].

وقرأ ابن عباس: " أألهاكم " على استفهام التقرير والإنكار ونقل في هذا المد مع التسهيل، ونقل فيه بتحقيق الهمزتين من غير مد.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } ، " حتَّى " غاية لقوله: " ألْهَاكُم " ، وهو عطف عليه، والمعنى: أي أتاكم الموت، فصرتم في المقابر زواراً، ترجعون فيها كرجوع الزائر إلى منزلة من جنة أو نار.

وقيل: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } حتى عددتم الأموات.

وقيل: هذا وعيد، أي: اشتغلتم بمفاخرة الدنيا حتى تزورا القبور، فتروا ما ينزل بكم من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - و " المَقابِر " جمع مَقْبَرة، ومَقْبَرة بفتح الباء وضمها والقبور: جمع قبر، وسمي سعيد المقبري؛ لأنه كان يسكن المقابر، وقبرت الميت أقبَره وأقبُره قبراً؛ أي: دفنته، وأقبرته، أي: أمرت بأن يقبر.

السابقالتالي
2 3 4 5