الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ }

قوله تعالى: { ٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ } كقوله تعالى:ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [الحاقة: 1، 2]، وكقوله تعالى:وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 27]، وقد تقدم ما نقله مكي من أنه يجوز رفع " القَارِعَةُ " بفعل مضمر ناصب لـ " يوم ".

وقيل: ستأتيكم القارعة.

وقيل: القارعة: مبتدأ وما بعده الخبر.

وقيل: معنى الكلام على التحذير.

قال الزجاجُ: والعرب تحذر، وتغري بالرفع كالنصب، وأنشد: [الخفيف]
5287- لجَدِيـرُونَ بالوَفَـاءِ إذَا قَـا   لَ أخُـو النَّجـدةِ: السِّـلاحُ السِّـلاحُ
وقد تقدم ذلك في قوله تعالى:نَاقَةَ ٱللَّهِ } [الشمس: 13]، فيمن رفعه، ويدل على ذلك قراءة عيسى: " القَارِعَة ما القارعة " بالنصب، بإضمار فعل، أي: احذروا القارعة و " مَا " زائدة، و " القَارِعَة " تأكيد للأولى تأكيداً لفظيًّا.

والقرعُ: الضرب بشدةٍ واعتماد. والمراد بالقارعة: القيامة، لأنها تقرع الخلائق بأهوالها، وأفزاعها.

وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، إذا وقع بهم أمر فظيع، قال تعالى:وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } [الرعد: 31]، وهي الشديدة من شدائد الدَّهرِ.

قوله تعالى: { مَا ٱلْقَارِعَةُ } استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها، كقوله تعالى:ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [الحاقة: 1، 2]، واختلفوا في سبب تسمية القيامة بالقارعة، فقيل: المراد بالقارعة: الصيحة التي يموت منها الخلائقُ؛ لأنها تقرع أسماعهم.

وقيل: إنَّ الأجرام العلوية والسفلية يصطكّان، فيموت العالم بسبب تلك القرعة، فلذلك سميت بالقارعة، [وقيل: تقرع الناس بالأهوال كانشقاق السموات، وأقطارها وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، ودك الجبال ونسفها، وطي الأرض. وقيل: لأنها تقرع أعداء الله بالعذاب]، وقوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ، أي: لا علم لك بكنهها؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد، وعلى هذا يكون آخر السورة مطابقاً لأولها.

فإن قيل: هاهنا قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ، ثم قال في آخر السورة: { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } ، ولم يقل: وما أدراك ما هاوية؟

فالجواب: الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، وكونها هاوية ليس كذلك، فظهر الفرق.

قوله: { يَوْمَ يَكُونُ }. في ناصب " يَوْمَ " أوجه:

أحدها: مضمر يدلّ عليه القارعة، أي: تقرعهم يوم يكون وقيل: تقديره: تأتي القارعة يوم.

الثاني: أنه اذكر مقدراً، فهو مفعول به لا ظرف.

الثالث: أنه " القَارِعَةُ " قاله ابن عطية، وأبو البقاء، ومكيٌّ.

قال أبو حيان: فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول، فلا يجوز، للفصل بين العاملين وهو في صلة " أل " والمعمول بأجنبي، وهو الخبر، وإن جعل القارعة علماً للقيامة، فلا يعمل أيضاً، وإن عنى الثاني والثالث، فلا يلتئم معنى الظرفية معه.

الرابع: أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى، كأنه قيل: تأتي القارعة يوم يكون. قاله مكي. وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً، وهو بعيد جداً منافر لنظم الكلامِ.

السابقالتالي
2