الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } * { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً }

قوله تعالى: { وَٱلْعَادِيَاتِ } ، جمع عادية، وهي الجارية بسرعة من العدو، وهو المشي بسرعةٍ، والياء منقلبة عن واو لكسر ما قبلها، نحو: الغازيات، من الغزو، ويقال: عَدا يَعْدُو عَدْواً، فهو عادٍ، وهي عادية. وقد تقدم هذا في سورة " المؤمنين ".

قال عامة المفسرين: يريد الأفراس تعدو في سبيل الله تعالى.

قوله: { ضَبْحاً } ، فيه أوجه:

أحدها: أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل، فإن الضبح نوعٌ من السير والعدو كالضبع، يقال: ضبح وضبع، إذا عدا بشدة، أخذاً من الضبع وهو الذراع، لأنه يمده عند العدو، وكأن الحاء بدل من العين، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والمبردُ.

قال عنترةُ: [مجزوء الكامل]
5268- والخَيْلُ تَعْلَمُ حِينَ تَضْـ   ـبَحُ في حِيَاضِ المَوْتِ ضَبْحَا
الثاني: أنه مصدر في موضع الحال، أي: ضابحات وذوي ضبح والضبح: صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو، وليس بصهيل.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حكاه، فقال: أحٍ أحٍ.

وقال قتادة: تضبح إذا عدت، أي: تحمحم.

وقال الفراء: والضبح: أصوات أنفاسها إذا عدون. وقيل: كانت تكمكم لئلا تصهل، فيعلم العدو بهم، فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة.

ونقل عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب، وهذا ينبغي أن يصحَّ عنه؛ لأنه روي عنه أنه قال: سُئلتُ عنها، ففسرتها بالخيل؛ وكان علي - رضي الله عنه - تحت سقاية زمزم، فسأله، فذكر ما قلت؛ فدعاني، فلما وقفت على رأسه، قال: تفتي الناس بغير علمٍ، والله إنها لأولُ غزوةٍ في الإسلامِ، وهي بدر، ولم يكن معنا إلا فرسان: فرسٌ للمقدادِ، وفرس للزبير، فكيف تكون العاديات ضبحاً؟ إنما العاديات الإبل من " عرفة " إلى " المزدلفة " ، ومن " المزدلفة " إلى " منى " يعني إبل الحاج.

قال ابن عباسٍ: فرجعت إلى قول علي - رضي الله عنه - وبه قال ابن مسعود، وعبيد بن عمير، ومحمد بن كعب، والسديُّ رضي الله عنهم.

ومنه قول صفية بنت عبد المطلب: [الوافر]
5269- فَلاَ والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ   بأيْديهَا إذا سَطعَ الغُبَارُ
إلا أن الزمخشري، قال بعد ذلك: " فإن صحت الروايةُ، فقد استعير الضبحُ للإبل، كما استعير المشافر والحافر للإنسان، والشفتان للمُهْرِ ".

ونقل غيره: أن الضبح، يكون في الإبل، والأسود من الحيَّات، والبُوم، والصدى، والأرنب، والثعلب، والفرس.

وأنشد أبو حنيفة رضي الله عنه: [الرجز]
5270- حنَّانةٌ من نشَمٍ أو تَألَبِ   تَضْبَحُ في الكفِّ ضُباحَ الثَّعْلبِ
قال شهاب الدين: وهذا عندي من الاستعارة، ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح في الثعلب فاستعير للخيل، وهو ضبحته النار، إذا غيرت لونه ولم تبالغ وانضبح لونه تغير لسواد قليل، والضبح أيضاً الرماد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6