الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

قوله تعالى: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } الآية.

قد تقدَّم الكلام في نظير الآية [الأعراف:138]، وقرأ الحسن، " وجوَّزْنَا: بتشديد الواو.

قال الزمخشري: وجوَّزْنَا: من أجَازَ المكان، وجَاوَزهُ،وجوَّزَهُ، وليس من " جَوَّز " الذي في بيت الأعشى: [الكامل]
2933- وإذَا تُجَوِّزُها حِبَالُ قَبيلَةٍ   أخَذَتْ مِنَ الأخْرَى إلَيْكَ حِبَالَهَا
لأنَّه لو كان منه لكان حقَّهُ أن يقال: وجَوَّزْنَا بني إسرائيل في البحر؛ كما قال: [الطويل]
2934-.........................   كمَا جَوَّزَ السَّكِّيَّ في البَابِ فَيْتَقُ
يعني أنَّ فعَّل بمعنى فاعل وأفْعَل، وليس التضعيفُ للتَّعدية، إذ لو كان كذلك لتعدَّى بنفسه كما في البيت المشار إليه دون الباء.

وقرأ الحسن: " فاتَّبَعَهُمْ " بالتَّشديد، وقد تقدَّم الفرقُ.

قال القرطبيُّ: يقالُ: تَبعَ، وأتْبع بمعنى واحد إذا لحقهُ، واتَّبَع - بالتَّشديد - إذا صار خلفهُ، وقال الأصمعيُّ: يقال: أتبعه - بقطع الألف - إذا لحقه، وأدْرَكَهُ، واتَّبَعَه بوصل الألفِ - إذا اتَّبَع أثره وأدركهُ، أو لم يدركهُ، وكذلك قال أبُو زيدٍ، وقرأ قتادة: " فاتبعهم " بوصل الألف وقيل: اتبعهُ - بوصل الألف في الأمْرِ - اقتدى به، وأتبعه بقطع خيراً وشرّاً. هذا قولُ أبي عمرو. وقيل: بمعنى واحدٍ.

قوله: " بَغْياً وَعَدْواً " يجُوزُ أن يكونا مفعولين من أجلهما أي: لأجل البغيْ والعَدْوِ، وشروط النَّصب متوفرةٌ، ويجُوزُ أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي: باغين متعدِّين.

وقرأ الحسنُ " وُعدواً " بضمِّ العين، والدَّالِ المشدَّدةِ، وقد تقدَّم ذلك في سُورة الأنعام [الأنعام:108]، وقوله: " حَتَّىٰ إِذَآ ": غاية لاتباعه.

قوله: " آمَنتُ أَنَّهُ " قرأ الأخوان بكسر " إنَّ " وفيها أوجه:

أحدها: أنَّها استئنافُ إخبار؛ فلذلك كسرت لوقوعها ابتداء كلامٍ.

والثاني: أنَّه على إضمار القول أي: فقال إنَّهُ، ويكون هذا القول مفسراً لقوله: " آمنتُ ".

والثالث: أن تكون هذه الجملة بدلاً من قوله: " آمنتُ " ، وإبدالُ الجملة الاسميَّة من الفعليَّة جائزٌ، لأنَّها في معناها، وحينئذٍ تكون مكسورة؛ لأنَّها محكيَّة بـ " قَالَ " هذا الظاهرُ.

والرابع: أنَّ " آمنتُ " ضُمِّنَ معنى القول؛ لأنَّه قولٌ. وقال الزمخشريُّ: " كرَّر المخذولُ المعنى الواحد ثلاث مرَّاتٍ في ثلاثِ عباراتٍ حِرْصاً على القبول ".

يعني أنه قال: " آمنتُ " فهذه مرَّة، وقال: { أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فهذه مرة ثانية. وقال: { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } فهذه ثالثةٌ، والمعنى واحد.

وهذا جنوحٌ منه إلى الاستئناف في " إنَّه ". وقرأ الباقون بفتحها وفيها أوجه:

أحدها: أنَّها في محلِّ نصب على المفعول به أي: آمنتُ توحيد الله؛ لأنَّه بمعنى صدَّقْتُ.

الثاني: أنَّها في موضع نصب بعد إسقاط الجارِّ أي: لأنَّه.

السابقالتالي
2 3 4 5