الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } الآية.

لمَّا شرح خوف المؤمنين من الكُفَّار، وما ظهر منهم من التَّوكُّل على الله، أتبعه بأن أمر موسى، وهارون باتخاذ المساجد، والإقبال على الصَّلوات.

قوله " أَن تَبَوَّءَا " يجوز في " أنْ " أن تكون المفسِّرة؛ لأنَّه قد تقدَّمها ما هو بمعنى القول وهو الإيحاء، ويجوز أن تكون المصدريَّة، فتكون في موضع نصب بـ " أوْحَيْنَا " مفعولاً به، أي: أوحينا إليهما التَّبَوُّء.

والجمهور على الهمزة في " تَبَوَّآ " وقرأ حفص " تَبَوَّيَا " بياء خالصة، وهي بدلٌ عن الهمزة، وهو تخفيفٌ غيرُ قياسي، إذ قياسُ تخفيف مثل هذه الهمزة: أن تكون بين الهمزة والألف، وقد أنكر هذه الرِّواية عن حفص جماعةٌ من القُرَّاءِ، وخصَّها بعضهم بحالة الوقف، وهو الذي لم يحكِ أبُو عمرو الدَّاني والشاطبي غيره، وبعضهم يُطلق إبدالها عنه ياء وصلاً ووقفاً، وعلى الجملة فهي قراءةٌ ضعيفةٌ في العربية، وفي الرواية.

والتَّبَوُّؤُ: النزولُ والرجوعُ، يقال: تبوَّأ المكان: أي: اتخذه مُبَوَّأ، وقد تقدَّمت هذه المادة في قوله:تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران:121] والمعنى: اجعلا بمصر بيوتاً لقومكما، ومرجعاً ترجعون إليه للعبادة.

قوله: " لِقَوْمِكُما " يجوزُ أن تكون اللاَّمُ زائدة في المفعول الأول، و " بُيُوتاً " مفعول ثان، بمعنى: بوِّآ قومكما بيوتاً، أي: أنزلوهم، وفعَّلَ وتَفَعَّلَ بمعنًى، مثل " عَلَّقَهَا " و " تعلَّقها " قاله أبو البقاء، وفيه ضعفٌ: من حيث إنَّه زيدت اللامُ، والعاملُ غير فرع، ولم يتقدم المعمُولُ.

الثاني: أنَّها غير زائدة، وفيها حينئذٍ وجهان:

أحدهما: أنَّها حالٌ من " البُيُوتِ ".

والثاني: أنَّها وما بعدها مفعول " تَبَوَّءا ".

قوله " بِمِصْرَ " جوَّز فيه أبو البقاء أوْجُهاً:

أحدها: أنَّه متعلِّق بـ " تَبَوَّءا " ، وهو الظَّاهرُ.

الثاني: أنَّه حالٌ من ضمير " تَبَوَّءا " ، واستضعفهُ، ولمْ يُبَيِّنْ وجه ضعفه لوضوحه.

الثالث: أنَّه حالٌ من " البُيُوت ".

الرابع: أنَّهُ حالٌ من: " لِقَوْمِكُما " ، وقد ثنَّى الضمير في قوله: " تَبَوَّءَا " وجمع في قوله: " واجْعَلُوا " و " أقِيمُوا " وأفرد في قوله: " وبَشِّر " لأن الأول أمرٌ لهما، والثاني لهما ولقومهما، والثالث لمُوسى فقط؛ لأنَّ أخاهُ تبعٌ لهُ، ولمَّا كان فعلُ البشارة شريفاً خصَّ به موسى، لأنَّه هو الأصل، وقيل: وبشِّر المؤمنين يا محمَّد.

فصل

قال بعضهم: المراد من البُيُوتِ: المساجد؛ لقوله:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } [النور:36] وقيل: مطلق البيوت، أمَّا الأوَّلُون ففسَّرُوا القبلة بالجانب، الذي يستقبل في الصلاة، أي: اجعلُوا بيوتكُم مساجداً، تستقبلونها في الصَّلاة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7