الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } * { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ }

قوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } الآية.

لمَّا بالغ في تقرير الدَّلائل، والجواب عن الشُّبه، شرع في بيان قصص الأنبياء؛ لوجوه:

الأول: أنَّ الكلام إذا طال في تقرير نوع من أنواع العُلُوم؛ فربَّما حصل نوع من الملالة، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفنِّ إلى فنٍّ آخر، انشرح، ووجد في نفسه رغبةً شديدةً.

الثاني: ليتأسَّى الرسول وأصحابه بمن سلف من الأنبياء؛ فإنَّ الرسول إذا سمع أن معاملة هؤلاء الكُفَّار مع الرسل ما كانت إلا على هذا الوجه، خفَّ ذلك على قلبه، كما يقال: إن المصيبة إذا عمَّتْ خفَّتْ.

الثالث: أنَّ الكُفَّار إذا سمعُوا هذه القصص، وعلموا أنَّ الجُهَّال وإن بالغُوا في إيذاء الأنبياء المتقدِّمين، إلاَّ أنَّ الله - تعالى - أعانهم بالآخرة، ونصرهم، وأيَّدهُم، وقهر أعداءهم، كان سماع هؤلاء الكُفَّار لهذه القصص، سبباً لانكسار قلوبهم، ووقوعِ الخوف في صدورهم؛ فحينئذٍ يُقَلِّلُون من الأذى والسَّفاهة.

الرابع: أنَّ محمَّداً - عليه الصلاة والسلام - لمَّا لمْ يتعلَّم علماً، ولم يطالع كتاباً، ثم ذكر هذه القصص من غير تفاوُتٍ، ومن غير زيادة ولا نقصان، دلَّ ذلك على أنَّه - عليه الصلاة والسلام - إنَّما عرفها بالوحْي والتنزيل، وحذفت الواو من " اتْلُ " لأنه أمر. قوله: " إذْ قال " يجوز أن تكون " إذْ " معمولةً لـ " نَبَأ " ويجوز أن تكون بدلاً من " نَبَأ " بدل اشتمال، وجوَّز أبو البقاء: أن تكون حالاً من " نَبَأ " وليس بظاهر، ولا يجوزُ أن يكون منصوباً بـ " اتلُ " لفساده؛ إذ " اتْلُ " مستقبلٌ، و " إذ " ماضٍ، و " لِقوْمِهِ " اللام: إمَّا للتبليغ، وهو الظاهرُ، وإمَّا للعِلَّة، وليس بظاهرٍ.

قال المفسرون: " قوم نُوح هم: ولد قابيل ".

قوله: { كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } من باب الإسناد المجازيِّ؛ كقولهم: " ثَقُلَ عليَّ ظلُّه ".

وقرأ أبو رجاء، وأبو مجلز، وأبو الجوزاء: " مُقَامِي " بضمِّ الميم، و " المقام " بالفتح: مكان القيام، وبالضم: مكان الإقامة، أو الإقامة نفسها.

وقال ابن عطيَّة: " ولم يُقْرَأ هنا بضمِّ الميم ". كأنَّه لم يطَّلع على قراءة هؤلاء.

قال الواحدي: يقال: كَبُرَ يَكبُرُ كِبراً في السِّنِّ، وكَبُرَ الأمرُ والشيء، إذا عظم، يَكْبُرُ كِبَراً وكُبَّارة، قال ابن عبَّاس: " ثقُل عليكم، وشقَّ عليكم " وأراد بالمقام ههنا: مُكْثَهُ.

وسبب هذا الثِّقل أمران:

الأول: أنَّه - عليه الصلاة والسلام - مكث فيهم ألف سنةٍ إلاَّ خمسين عاماً.

والثاني: أنَّ أولئك الكُفَّار كانوا قد ألفوا تلك المذاهب الفاسدة، ومن ألف طريقة في الدِّين؛ فإنه يثقل عليه أن يدعى إلى خلافها؛ فإن اقترن بذلك طول مُدَّة الدُّعاءِ، كان أثقل، وأشدّ كراهية، وقوله { وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ }: بحُجَجِه وبيناته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7