الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } الآية.

لمَّا أورد الدلائل على فساد مذاهب الكُفَّار، وأمر الرسول بالجواب عن شبهاتهم، وتحمُّل أذاهُم، والرِّفْقِ بهم، ذكر هذا الكلام ليحصل به تمامُ السُّرور للمُطيعين، وتمامُ الخوف للمذنبين، وهو كونه تعالى عالماً بعمل كل واحدٍ، وما في قلبه من الدَّواعي والصَّوارف.

قوله: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ } " ما " نافية في الموضعين؛ ولذلك عطف بإعادة " ما " النَّافية، وأوجب بـ " إلا " بعد الأفعال؛ لكونها منفيةٌ، و " فِي شَأنٍ " خبر " تكُون " والضميرُ في " منه " عائدٌ على " شأن " و " مِن قُرآنٍ " تفسيرٌ للضَّمير، وخُصَّ من العموم؛ لأنَّ القرآنَ هو أعظمُ شئونه صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: يعود على التنزيل، وفُسِّر بالقرآن؛ لأنَّ كلَّ جزء منه قرآن، وقال أبو البقاء: " من الشَّأن " أي: مِنْ أجْلِهِ، و " مِنْ قُرآن " مفعول " تَتْلُوا " و " مِنْ " زائدةٌ. يعنى: أنَّها زيدتْ في المفعول به، و " مِنْ " الأولى جارَّةٌ للمفعول من أجله، تقديره: وما تتلُو من أجل الشَّأنِ قُرآناً، وزيدَتْ لأنَّ الكلامَ غير موجبٍ، والمجرور نكرةٌ.

وقال مكِّي: " منه " الهاء عند الفرَّاء تعُود على الشَّأن على تقدير حذف مضافٍ، تقديره: وما تتلو من أجْلِ الشَّأنِ، أي: يحدثُ لك شأنٌ، فتتلُوا القرآن من أجله.

والشَّأنُ: مصدر شَأنَ يَشْأنُ شأنَهُ، أي: قصد يَقْصِدُ قَصْدَهُ، وأصله الهمز، ويجوز تخفيفه، والشأن أيضاً: الأمرُ، ويجمعُ على شئون، والشأنُ: الحال، تقول العرب: ما شأن فلان؟ أي: ما حاله، قال الأخفش: وتقول العرب: ما شأنْتُ شأنهُ، أي: ما عملت عمله، قال ابن عبَّاس: وما تكونُ يا محمَّدُ في شأن، أي: في عملٍ من أعمالِ البِرِّ، وقال الحسن: في شأن من شأن الدُّنْيَا.

قوله: { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ } هذا خطابٌ للنبي وأمَّتِهِ، وخُصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالخطاب أوَّلاً، ثم عُمِّمَ الخطاب مع الكلِّ؛ لأنَّ تخصيصهُ وإن كان في الظَّاهر مُخْتَصّاً بالرسول، إلاَّ أنَّ الأمَّة داخلُون فيه؛ لأنَّ رئيس القوم إذا خُوطب دخل قومُهُ في ذلك الخطاب؛ كقوله:يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ } [الطلاق:1].

قوله: " إِلاَّ كُنَّا " هذه الجملةُ حاليةٌ، وهو استثناء مفرَّغ، ووليَ " إلا " هنا الفعلُ الماضي دون " قَدْ " لأنَّه قد تقدَّمها فعلٌ، وهو مُجَوِّزٌ لذلك، وقوله: " إذْ " هذا الظرفُ معمول لـ " شُهُوداً " ولمَّا كانت الأفعالُ السَّابقةُ المرادُ بها الحالةُ الدَّائمةُ، وتنسحبُ على الأفعالِ الماضيةِ، كان الظَّرفُ ماضياً، وكان المعنى: وما كنت، وما تكون، وما عملتم، إلاَّ كُنَّا عليكم شُهُوداً، إلاَّ أفضتُم فيه، و " إذا " تُخَلِّصُ المضارع لمعنى الماضي، ومعنى " تُفِيضُونَ " أي: تدخلون فيه وتفيضون، والإفاضة: الدُّخُول في العملِ، يقال: أفاض القوم في الحديث؛ إذا اندفعُوا فيه، وقد أفَاضُوا من عرفة؛ إذا دفعوا منها بكثرتهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7