الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } * { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }

قوله - تعالى - { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } الآية.

قال ابن الخطيب: ذكر النَّاسُ في تعلُّقِ هذه الآية بما قبلها وجوهاً، ولا أستحسن واحداً منها. والذي يخطر بالبال وجهان:

الأول: أنَّ المقصود من هذا الكلام ذكر طريق ثالث في إثبات النبوة، وذلك أنَّه - عليه الصلاة والسلام - قال للقوم: " إنَّكُم تحكُمُون بحلِّ بعض الأشياء، وحرمة بعضها، فهذا الحكم تقولونه افتراءً على الله، أم تعلمُون أنَّهُ حكمٌ حَكَمَ اللهُ به " ؛ والأول باطلٌ بالاتِّفاق، فلم يبقَ إلاَّ الثَّاني، ومن المعلُوم أنَّه - تعالى - ما خاطبكم به من غير واسطةٍ، ولمَّا بطل هذا، ثبتَ أنَّ هذه الأحكام إنَّما وصلتْ إليكم بقول رسولٍ أرسله الله إليكم، ونبيِّ بعثهُ الله إليكم، وذلك يدلُّ على اعترافكم بصحَّةِ النبوة والرِّسالة، فكيف تُبالغُوا هذه المبالغاتِ العظيمةِ في إنكار النبوة؟.

الوجه الثاني: أنه - عليه الصلاة والسلام - لمَّا ذكر الدَّلائل الكثيرة على صحَّة نبوَّة نفسه، وبيَّن فساد سؤالاتهم، وشبهاتهم في إنكارها، أتبع ذلك ببيان فساد طريقتهم في شرائعهم وأحكامهم، وبيَّن أنَّ التمييز بين هذه الأشياء بالحلِّ والحرمةِ، مع أنَّه لم يشهد بذلك لا عقلٌ ولا نقلٌ، فدل على أنَّه طريق باطلٌ، وأنَّهم ليسُوا على شيءٍ.

قوله: " أَرَأَيْتُمْ ": هذه بمعنى: " أخْبرُوني ". وقوله: " ما أنزلَ " يجُوز أن تكُون " مَا " موصولةً بمعنى: " الَّذي " ، والعائد محذوفٌ، أي: ما أنزله، وهي في محلِّ نصبٍ مفعولاً أولاً، والثاني هو الجملة من قوله: { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ }؟ والعائدُ من هذه الجملة على المفعول الأولِ محذوفٌ، تقديره: آلله أذن لكم فيه؛ واعترض على هذا: بأنَّ قولهُ " قُلْ " يمنع من وقوع الجملة بعده مفعولاً ثانياً.

وأجيب عنه: بأنَّه كُرِّرَ توكيداً، ويجوز أن تكون " مَا " استفهاميَّة منصوبة المحلِّ بـ " أنزل " وهي حينئذٍ معلَّقةٌ لـ " أرأيْتُم " وإلى هذا ذهب الحوفيُّ، والزمخشريُّ، ويجوز أن تكون " ما " الاستفهاميَّةُ في محلِّ رفع بالابتداء، والجملةُ من قوله: { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } خبره، والعائدُ محذوفٌ كما تقدَّم، أي: أذن لكم فيه، وهذه الجملة الاستفهاميةُ معلِّقةٌ لـ " أرَأيْتُم " ، والظاهرُ من هذه الأوجه هو الأول؛ لأنَّ فيه إبقاءاً لـ " أرَأيْتَ " على بابها من تعدِّيها إلى اثنين، وأنَّها مؤثِّرةٌ في أولهما بخلاف جعل " ما " استفهامية، فإنَّها مُعلِّقةٌ لـ " أرأيت " وسادَّةٌ مسدَّ المفعولين.

قوله: " مِنْ رزقٍ ": يجوز أن يكون حالاً من الموصولِ، وأن تكون " مِنْ ": لبيان الجنس، و " أنْزَلَ " على بابها، وهو على حذف مضافٍ، أي: أنزله من سبب رزقٍ وهو المطرُ، وقيل: تُجوِّز بالإنزال علن الخلق، كقوله:

السابقالتالي
2