الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

قوله - تعالى -: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً } الآية.

هذا جواب ثانٍ عن قولهم:مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } [يونس:48] وقد تقدَّم الكلام على " أرَأيْتَ " هذه، وأنَّها تتضمَّن معنى: أخبرني، فتتعدَّى إلى اثنين، ثانيهما غالباً جملةٌ استفهاميَّة، فينعقد منها مع ما قبلها مبتدأٌ وخبرٌ، كقولهم: " أرأيتكَ زيداً ما صنع " وتقدَّم مذاهبُ النَّاسِ فيها في " عذاب " ، والمسألةُ من إعمال الثاني؛ إذ هو المختار عند البصريِّين، ولمَّا أَعمله أضمر في الأول وحذفه؛ لأنَّ إبقاءه مخصوصٌ بالضَّرورة، أو جائزُ الذِّكْرِ على قلَّةٍ عند آخرين، ولو أعمل الأول، لأضمر في الثاني إذ الحذف منهُ لا يكونُ إلاَّ في ضرورة، أو في قليلٍ من الكلام.

ومعنى الكلام: قل لهم يا محمد: أخبروني عن عذاب الله، إن أتاكم أيُّ شيءٍ تستعجلون منه، وليس شيءٌ من العذاب يستعجل به؛ لمرارته، وشدَّة إصابته، فهو مُقْتَضٍ لنُفُورِ الطبع منه.

قال الزمخشري: " فإن قلت: بم يتعلَّق الاستفهامُ، وأين جوابُ الشَّرط؟ قلت: تعلَّق بـ " أرَأيْتُمْ " لأنَّ المعنى: أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون، وجوابُ الشَّرط محذوفٌ، وهو: تندمُوا على الاستعجَال، أو تعرفُوا الخطأ فيه ".

قال أبو حيَّان: " وما قدَّره غيرُ سائغ؛ لأنَّه لا يقدَّر الجوابُ إلاَّ ممَّا تقدَّمه لفظاً أو تقديراً، تقول: " أنت ظالمٌ إن فعلت " التقدير: إن فعلت، فأنت ظالمٌ، وكذلكوَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [البقرة:70] التقدير: إن شاء الله نَهْتَدِ، فالذي يُسَوِّغ أن يقدر: إن أتاكم عذابه، فأخبروني ماذا يستعجلُ منهُ المجرمُونَ.

وقال الزمخشريُّ أيضاً: " ويجوز أن يكون { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } جواباً للشرط كقولك: إن أتيتُك ما تُطْعمني؟ ثم تتعلَّق الجملةُ بـ " أرأيْتُمْ " ، وأن يكون " أثمَّ إذا ما وقع آمنتُم به " جواباً للشَّرْطِ، و { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } اعتراضاً، والمعنى: إن أتاكم عذابه، آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان.

قال أبو حيَّان: " وأمَّا تجويزهُ أن يكون " مَاذَا " جواباً للشَّرط فلا يصحُّ؛ لأنَّ جواب الشَّرط إذا كان استفهاماً، فلا بُدَّ فيه من الفاءِ تقول: إنْ زارنا فلانٌ، فأيُّ رجلٍ هو، وإن زارنا فلانٌ، فأيُّ يدٍ لهُ بذلك، ولا يجوزُ حذفها إلاَّ إن كان في ضرورةٍ، والمثالُ الذي ذكره وهو " إنْ أتَيْتُكَ ما تُطعمني؟ " هو من تمثيله، لا من كلام العرب.

وأمَّا قوله: ثُمَّ تتعلَّق الجملةُ بـ " أرَأيْتُم " إن عنى بالجملة " مَاذَا يَسْتعجِلُ " فلا يصح ذلك؛ لأنَّه قد جعلها جواباً للشَّرْطِ، وإن عنى بالجملةِ جملة الشَّرطِ، فقد فسَّر هو " أرَأيْتُمْ " بمعنى: أخبرُوني، و " أخبرني " يطلب متعلِّقاً مفعولاً، ولا تقع جملةُ الشَّرطِ موقع مفعول " أخبرني " ، وأمَّا تجويزه أن يكون: " أثُمَّ إذا ما وقعَ آمنتُم بِهِ " جواباً للشَّرطِ، و { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } اعتراضاً، فلا يصحُّ أيضاً لما ذكرناه: من أن جملة الاستفهام لا تقع جواباً للشَّرط إلاَّ ومعها فاءُ الجواب، وأيضاً: فـ " ثُمَّ " هنا حرف عطفٍ تعطفُ الجملة التي بعدها على التي قبلها، فالجملةُ الاستفهاميَّة معطوفة، وإذا كانت معطوفة، لم يصحَّ أن تقع جواب الشَّرط، وأيضاً: فـ " أرَأيْتُمْ " بمعنى: " أخبروني " يحتاج إلى مفعول، ولا تقع جملة شرطٍ موقعه ".

السابقالتالي
2 3 4