الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

قوله - تعالى -: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } الآية.

لمَّا بيَّن حال محمد - عليه الصلاة والسلام - في قومه، بيَّن أنَّ حال كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مع أقوامهم كذلك.

والآية تدلُّ على أنَّ كلَّ جماعة ممَّن تقدَّم، قد بعث الله إليهم رسُولاً، ولم يهمل أمَّة من الأمم ويؤيِّدهُ قوله - تعالى -:وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر:24].

فإن قيل: كيف يصحُّ هذا مع ما يعلمُه من أحْوالِ الفترة؟.

فالجواب: أنَّ الدَّليل الذي ذكرناه، لا يوجب أن يكون الرَّسُول حاضراً مع القوم؛ لأنَّ تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسُولاً إليهم، كما لا يمنع تقدُّم رسولنا، من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد.

وفي الكلام إضمار تقديره: فإذا جاء رسُولهُم وبلَّغ، وكذَّبه قوم وصدقه آخرون، قُضِيَ بَيْنَهُم، أي: حُكِمَ وفُصِلَ.

والمراد من الآية:

إمَّا بيان: أنَّ الرسول إذا بعث إلى كلِّ أمَّة، فإنَّه بالتبليغ، وإقامةِ الحُجَّةِ يزيح عللهم، ولم يبق لهم عُذْر؛ فيكون ما يُعَذَّبُونَ به في الآخرة عدلاً لا ظُلْماً، ويدُلُّ عليه قوله:وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء:15]، وقوله:رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [النساء:165].

وإمَّا أن يكون المرادُ: أنَّ القوم إذا اجتمعوا في الآخرة، جمع الله بينهم وبين رسلهم وقت المحاسبة، وبيان الفصل بين المُطِيعِ والعَاصِي؛ ليشهد عليهم بما شاهد منهم؛ وليقع منهم الاعتراف بأنَّه بلغ رسالات ربِّه، ويدل عليه قوله - تعالى -:لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة:143].

قوله تعالى: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الآية.

هذه شبهة خامسة من شبهات مُنْكِري النبوة؛ فإنَّه - عليه الصلاة والسلام - كُلَّما هدَّدهُم بنُزُول العذاب، ومرَّ زمان ولم يظهر ذلك العذاب، قالوا: متى هذا الوعد، فاحتجُّوا بعدم ظهوره، على القدح في نُبُوته، واعلم: أنَّهم قالوا ذلك على وجه التَّكذيبِ للرَّسُولِ - عليه الصلاة والسلام - لمَّا أخبرهم بنُزُول العذاب على الأعداء، وبنُصْرَة الأولياء - أو على وجه الاستبعاد، وتدلُّ الآية على أنَّ كلَّ أمَّة قالت لرسُولها مثل ذلك القول؛ بدليل قوله - تعالى - { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } لأنَّه جمع، وهو موافقٌ لقوله: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ }.

ثم إنَّه - تعالى - أمره بأن يجيبَ عن هذه الشُّبهةِ بجواب يحسم المادَّة، وهو قوله: { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } والمعنى: أنَّ إنزال العذاب على الأعداء، وإظهار النُّصرة للأولياء لا يقدر عليه إلاَّ الله - سبحانه -، وأنَّه - تعالى - ما عيَّن لذلك وقتاً معيناً، بل تعيين الوقت مُفوَّض إلى الله - سبحانه - بحسب مشيئته.

قوله: { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } فيه وجهان:

أحدهما: أنَّه استثناءٌ متَّصل، تقديره: إلاَّ ما شاءَ الله أن أملكه، وأقدر عليه.

السابقالتالي
2