الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } * { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } الآية.

لمَّا وصف الكفار بقلة الإصغاء، وترك التدبُّر؛ أتبعه بالوعيد، فقال: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ }. " يَوْمَ " منصوب على الظرف، وفي ناصبه أوجه:

أحدها: أنَّه منصوبٌ بالفعل الذي تضمَّنه قوله: { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ }.

الثاني: أنَّه منصوبٌ بـ " يتعَارَفُون ".

الثالث: أنَّه منصوبٌ بمقدرٍ، أي: اذكر يوم.

وقرأ الأعمش، وحفص عن عاصم: " يَحْشُرهُم " بياء الغيبة، والضمير لله تعالى لتقدم اسمه في قوله:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ } [يونس:44].

قوله: { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ } تقدَّم الكلامُ على " كأن " هذه، وهي المخفَّفة من الثَّقيلة، والتقدير: كأنَّهُم لم يلبثُوا؛ فخفَّفَ، كقوله: وكأن قد، ولكن اختلفُوا في محلِّ هذه الجملة على أوجه:

أحدها: أنها في محلِّ نصبٍ صفةً للظرف، وهو " يوم " ، قاله ابن عطية.

قال أبو حيان: " لا يصحُّ؛ لأن يوم يَحْشُرهُم معرفةٌ والجمل نكرات، ولا تنعتُ المعرفةُ بالنَّكرة، لا يقال: إنَّ الجمل التي يُضاف إليها أسماءُ الزَّمان نكرةٌ على الإطلاق؛ لأنَّها إنْ كانت في التقدير تنحَلُّ إلى معرفة، فإنَّ ما أضيف إليها يتعرَّفُ، وإن كانت تنحَلُّ إلى نكرة، كان ما أضيف إليها نكرةً، تقول: " مَرَرْتُ في يوم قدم زيدٌ الماضي " ، فتصِفُ " يوم " بالمعرفة، و " جئت ليلة قدم زيدٌ المباركة علينا " ، وأيضاً: فكأنْ لمْ يلبثُوا، لا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى، لأنَّ ذلك من وصف المحشورين، لا من وصف يوم حشرهم. وقد تكلَّف بعضهم تقدير رابطٍ يربطهُ، فقدره: " كأنْ لَمْ يلبثُوا قبله " ، فحذف " قبله " ، أي: قبل اليوم، وحذفُ مثل هذا الرَّابط لا يجوز ".

قال شهاب الدِّين: قوله: " بعضهم " ، هو مكِّي بن أبي طالب؛ فإنَّه قال: " الكافُ وما بعدها من " كأن " صفةٌ لليوم، وفي الكلام حذفُ ضميرٍ يعودُ على الموصوفِ، تقديره: كأنْ لم يَلْبثُوا قبله؛ فحذف " قبله " ، فصارت الهاءُ متَّصلةً بـ " يَلْبثُوا " ، فحذفتْ لطُولِ الاسم كما تحذفُ من الصِّلات " ، ونقل هذا التقدير أيضاً: أبو البقاء، ولمْ يُسَمِّ قائله، فقال: " وقيل " ، فذكره.

والوجه الثاني: أن تكون الجملةُ في محلِّ نصب على الحال، من مفعول " يَحْشُرهُم " أي: يَحْشُرهم مُشبهين بمن لم يلبث إلاَّ ساعةً، هذا تقديرُ الزمخشري، وممَّن جوَّز أيضاً الحاليَّة: ابنُ عطيَّة، ومكِّيٌّ، وأبو البقاءِ، وجعله بعضهم هو الظَّاهر.

الوجه الثالث: أن تكون الجملةُ نعتاً لمصدر محذوف، والتقدير: يَحْشُرهم حَشْراً، كأنْ لمْ يلبثُوا، ذكر ذلك ابن عطيَّة، وأبو البقاء، ومكِّي، وقدَّر مكِّي، وأبو البقاء: العائد محذوفاً، كما قدَّراه حال جعلهما الجملة صفة لليَوْمِ، وقد تقدَّم ما في ذلك.

السابقالتالي
2 3 4