الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }

قوله - تعالى - { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } الآية. هذه هي الحجَّة الثانية عليهم.

فإن قيل: القوم كانوا منكرين الإعادة، والحشر، والنشر، فكيف احتجَّ عليهم بذلك؟

فالجواب: أنَّه - تعالى - قدَّم في هذه السورة ما يدلُّ عليه، وهو وجوب التمييز بين المُحْسِن والمُسيءِ، وهذه الدَّلالة دلالةٌ ظاهرةٌ قويَّة، لا يمكن للعاقل دفعها؛ فلأجْلِ قُوَّتها، وظهورها تمسَّك بها، سواء الخَصْم عليها، أو لا.

فإن قيل: لِمَ أمر رسوله أن يعترف بذلك، والإلزام إنَّما يحصلُ لو ا عترف الخصمُ به؟.

فالجوابُ: أنَّ الدَّليل لمَّا كان ظاهراً جليّاً، فإذا أورد على الخَصْم في معرض الاستفهام، كأنَّه بنفسه يقول: الأمر كذلك، فكان هذا تنبيهاً، على أنَّ هذا الكلام بلغ في الوُضوح، إلى حيث لا حاجة فيه إلى إقرار الخصم به، وأنَّه سواء أقرَّ، أو أنكَرَ، فالأمرُ متقرِّر ظاهرٌ.

قوله: { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ }: هذه الجملةُ جوابٌ لقوله: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } ، وإنَّما أتى بالجواب جملة اسمية، مصرَّحاً يجزأيها، مُعَاداً فيها الخبر، مطابقاً لخبر اسم الاستفهام؛ للتأكيد، والتَّثبيتِ، ولمَّا كان الاستفهام قبل هذا، لا مندوحة لهُم عن الاعتراف به، جاءت الجملةُ محذوفاً منها أحدُ جزأيها، في قوله:فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } [يونس:31]، ولم يَحْتَجْ إلى التَّأكيد بتصريح جزأيها.

فصل

قال القرطبيُّ: ومعنى الآية: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ } ينشئه من غير أصل، ولا سبق مثال: " ثُمَّ يُعِيدُهُ ": يُحْييه بعد الموت كهَيْئتِهِ، فإن أجابُوك، وإلاَّ فـ { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } ، ثم قال: { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي: تصرفون عن قصد السَّبيل، والمُراد: التَّعجُّب منهم في الدُّنْيَا من هذا الأمر الواضح الذي دعاهُم الهوى والتَّقليد إلى مخالفته؛ لأنَّ الإخبار عن كون الأوثان آلهةً كذب، وإفكٌ الاشتغال بعبادتها، مع أنَّها لا تستحق العبادة أيضاً إفكٌ.

قوله تعالى: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } الآية.

وهذه حجَّة ثالثة. واعلم أنَّ الاستدلالَ على وجودِ الصَّانع بالخلق أولاً، ثم بالهداية ثانياً، عادة مُطَّردة في القرآن، قال - تعالى - حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام:ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء:78]، وحكى عن موسى - عليه الصلاة والسلام - في جوابه لفرعون:رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه:50]، وأمر محمَّداً - عليه الصلاة والسلام - فقال:سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [الأعلى:1-3].

واعلم أنَّ الإنسان له جسدٌ وروحٌ، فالاستدلال على وجود الصَّانع بأحوال الجسد، هو الخلق، والاستدلال بأحوال الرُّوح، هو الهدايةُ.

والمقصودُ من خلق الجسدِ: حصول الهداية للرُّوح، كما قال - تعالى -:وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6