الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله - تعالى -: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } الآية.

" يَوْمَ " منصوب بفعلٍ مقدَّر، أي: خوَّفهم، أو ذكرهم يوم، والضميرُ عائد على الفريقين أي: الذين أحسنوا، والذين كسبوا. و " جَمِيعاً ": حال، ويجُوزُ أن يكون تأكيداً، عند من عدَّها من ألفاظ التَّأكيد.

قوله: " مَكَانكُمْ " اسمٌ فعلٍ، ففسَّره النحويُّون بـ " اثبُتُوا " فيحمل ضميراً، ولذلك أكَّد بقوله: " أنْتُم " ، وعطف عليه " شُرَكاؤكُم "؛ ومنه قول الشاعر: [الوافر]
2896- وقَولِي كُلَّمَا جَشَأتْ وجاشَتْ   مكانكِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحي
أي: اثبتي، ويدلُّ على ذلك جزمُ جوابه، وهو " تُحْمَدي " ، وفسَّره الزمخشري: بـ " الزمُوا " قال: مكانكُم، أي: الزموا مكانكُم، لا تبرَحُوا حتى تنظروا ما يفعل بكم ".

قال أبو حيَّان: وتقديره له بـ " الزمُوا " ليس بجيِّد، إذ لو كان كذلك؛ لتعدَّى كما يتعدَّى ما ناب هذا عنهُ، فإنَّ اسمَ الفعل يُعَامل معاملة مُسمَّاة، ولذلك لمَّا قدَّرُوا " عليك " ، بمعنى: " الزم " عدَّوْه تعديته نحو: عليْكَ زيداً.

قال شهابُ الدِّين " فالزمخشري قد سبق بهذا التَّفسير، والعُذرُ لمن فسَّرهُ بذلك، أنه قصد تفسير المعنى " ، قال الحوفي: " مكانكُم نُصب بإضمار فعل، أي: الزمُوا مكانَكُم أو اثبُتوا ". وكذلك فسرهُ أبو البقاء، فقال: " مَكَانَكُمْ " ظرفٌ مبنيٌّ؛ لوقوعه موقع الأمر، أي: " الزمُوا ".

وهذا الذي ذكره من كونه مبنيّاً، فيه خلاف للنحويين: منهم من ذهب إلى ما ذكر، ومنهم من ذهب إلى أنَّها حركةُ إعراب، وهذان الوجهان مبنيان على خلاف في أسماء الأفعال هل لها محلٌّ من الإعراب أو لا؟ فإن قلنا لها محلٌّ، كانت حركاتُ الظرفِ حركاتِ إعراب، وإن قلنا لا موضع لها، كانت حركاتِ بناءٍ، وأمَّا تقديره: بـ " الزَمُوا " ، فقد تقدَّم جوابه. قوله: " أنْتُم " فيه وجهان:

أحدهما: أنَّه تأكيدٌ للضمير المستتر في الظرف، لقيامه مقام الفاعل، كما تقدَّم التنبيه عليه.

والثاني: أجازهُ ابن عطيَّة، وهو أن يكون مبتدأ، و " شُرَكاؤُكُم " معطوفٌ عليه، وخبرُهُ محذوفٌ، قال: " تقديره: أنتم وشركاؤكم مهانون، أو معذبون " ، وعلى هذا فيوقفُ على قوله: " مَكَانَكُم " ثم يبتدأ بقوله: " أنتُم " ، وهذا لا ينبغي أن يقال، لأنَّ فيه تفكيكاً لأفصحِ كلام، وتبتيراً لنظمه، من غير داعيةٍ إلى ذلك؛ ولأنَّ قراءة من قرأ " وشُرَكاءكُمْ " نصباً، تدل على ضعفه، إذ لا تكونُ إلاَّ من الوجه الأوَّل؛ ولقوله: " فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ " ، فهذا يدلُّ على أنَّهم أمروا هُم وشُركاؤهم بالثّبات في مكانٍ واحدٍ، حتى يحصل التَّنزيل بينهم.

السابقالتالي
2 3 4 5