الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } الآية.

لمَّا دعا عبادهُ إلى دار السَّلام، ذكر السَّعادات الحاصلة لهم فيها، فقال: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: أحسنوا العمل في الدُّنيا، فأتوا المأمورات، واجتنبوا المنهيات.

وقال ابن عبَّاسٍ: للذين ذكرُوا كلمة لا إله إلاَّ الله، فأمَّا الحُسْنَى: فهي الجنَّة وأمَّا الزيادة: فقال أبو بكر الصِّدِّيق، وحذيفة، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت: هي النَّظرُ إلى وجه الله الكريم، وبه قال الحسن، وعكرمة، وعطاء، ومقاتل، والضحاك، والسدي.

روى ابن أبي ليلى، عن صهيبٍ قال: " قرأ رسُول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } قال: إذا دخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّة، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، نادى منادٍ: يا أهل الجنَّة: إنَّ لكم عند الله موعداً، قالوا: ما هذا الموعدُ، ألمْ يُثقِّل موازِيننا، ويُبيض وُجوهنا، ويدخِلْنَا الجنَّة، ويُنْجِنَا من النَّارِ؟ قال: فيرفعُ الحجابَ فينظرون إلى وجهِ الله - عزَّ وجلَّ -، قال: " فما أعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إليهم من النَّظر إليْهِ " ويؤيد هذا قوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة:22، 23].

وقالت المعتزلةُ: لا يجوزُ حملُ الزِّيادة على الرؤية، لوجوه:

أحدها: أنَّ الدلائل العقليَّة دلَّت على أنَّ رؤية الله - تعالى - ممتنعةٌ.

وثانيها: أنَّ الزيادة يجبُ أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤيةُ الله - تعالى - ليست من جنس نعيم الجنَّة.

وثالثها: أنَّ الحديث المرويَّ يوجب التشبيه؛ لأنَّ النظر: عبارةٌ عن تقليب الحدقة، إلى جهة المرئيِّ، وذلك يقتضي كون المرئيِّ في الجهة؛ لأنَّ الوجه اسم للعضو المخصوص، وذلك يوجبُ التشبيه، فثبت أنَّ هذا اللفظ، لا يمكن حملُه على الرُّؤية، فوجب حملهُ على شيء آخر. قال الجبائي: الحُسْنَى: هي الثَّواب المستحق، والزِّيادة: ما يزيده الله على ذلك الثَّواب من التفضُّل، كقوله - تعالى -:لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } [فاطر:30]، ونقل عن عليٍّ - رضي الله عنه -، أنه قال: " الزِّيادة: غرفة من لُؤلؤة واحدة ".

وعن ابن عبَّاسٍ: " الحُسْنَى: هي الحسنة، والزِّيادة عشرُ أمثالها " ، وعن الحسن: " عشُر أمثالها إلى سبْعمائة ضعف " ، وعن مجاهد: " الزيادة: مغفرة من الله ورضوان ".

وعن يزيد بن سمرة: " الزِّيادة: أن تمُرَّ السَّحابة بأهْلِ الجنَّة، فتقول: ما تُرِيدُون أن أمطركُم، فلا يُريدُون شيئاً إلاَّ أمطرتهم ".

وأجاب أهل السُّنَّة عن هذه الوجوه، فقالوا: أمَّا قولهم: إنَّ الدلائل العقليَّة دلَّت على امتناع رؤية الله - تعالى -، فهذا ممنوع؛ لأنَّا بيَّنا في كتب الأصُول: أن تلك الدلائل في غاية الفُتُور، وثبت بالأخبارِ الصحيحة إثبات الرُّؤية، كقوله - عليه الصلاة والسلام -: " هل تُمَارُونَ في رُؤْيةِ الشَّمْسِ ليس دُونهَا سَحَاب؟ "

السابقالتالي
2 3 4 5 6