الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }

قوله: { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ } الهمزة للإنكار، و " أَنْ أَوْحَيْنَآ " " أن " والفعل في تقدير المصدر وهو اسم " كان " ، و " عَجَباً " خبرها، و " للنَّاس " متعلِّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من " عَجَباً " لأنه في الأصل صفة له، أو متعلِّقٌ بـ " عَجَباً " ، ولا يضُرُّ كونه مصدراً؛ لأنَّه يُتَّسع في الظرف وعديله ما لا يُتَّسع في غيرهما. وقيل: لأنَّ " عَجَباً " مصدرٌ واقعٌ موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول، ومتى كان كذلك جاز تقديمُ معموله. وقيل: هو متعلِّق بـ " كَانَ " النَّاقصة، وهذا على رأي مَنْ يُجيز فيها ذلك. وهذا مرتَّبٌ على الخلاف في دلالة " كان " النَّاقصة على الحدث، فإن قلنا: إنَّها تدلُّ على ذلك فيجُوزُ وإلاَّ فلا. وقيل: هو متعلِّقٌ بمحذوفٍ على التَّبيين، والتقدير في الآية: أكان إيحاؤنا إلى رجُلٍ منهم عجباً لهم. و " منهم " صفة لـ " رجُل ".

وقرأ رُؤبة " رَجْل " بسكون الجيم، وهي لغة تميم، يُسَكِّنُون " فَعُلاً " نحو: سبع وعضد.

وقرأ عبد الله بن مسعود " عَجَبٌ ". وفيه تخريجان، أظهرهما: أنَّها التَّامة، أي: أحدث للنَّاس عجب و " أنْ أوْحَيْنَا " متعلِّق بـ " عجب " على حذف لامِ العلَّة، أي: عجبٌ لـ " أنْ أوْحَيْنَا " ، أو يكون على حذف " مِنْ " ، أي: مِنْ أنْ أوحينا. والثاني: أن تكون الناقصة، ويكون قد جعل اسمها النَّكرة وخبرها المعرفة، على حدِّ قوله: [الوافر]
2864-......................   يكُونُ مزاجها عسلٌ ومَاءُ
وقال الزمخشري: والأجودُ أن تكون التَّامة، و " أنْ أوحَيْنَا ": بدلٌ من " عَجَبٌ ". يعني به بدل اشتمال أو كل من كل، لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة، والتخريج الثاني لابن عطيَّة.

فصل

التعجُّب: حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة، وسبب نزول هذه الآية: أنَّ الله - تعالى - لمَّا بعث محمَّداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، تعجَّب كفار قريش وقالوا: إنَّ الله أعظم من أن يكون رسُوله بشراً، فأنكر الله عليهم ذلك التعجُّب، أما بيان تعجُّبهم من تخصيص محمَّدٍ بالرسالة فمن وجوه:

الأول: قوله تعالى:وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ص:4] إلى قوله:إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص:5].

والثاني: أن أهل مكَّة كانوا يقولون: إنَّ الله تعالى ما وجد رسُولاً إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب.

والثالث: أنهم قالوا:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف:31]؛ فأنكر الله عليهم هذا التعجُّب بقوله { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } فلفظه استفهام؛ ومعناه الإنكار لأنْ يكون ذلك عجباً، والمراد بـ " النَّاس ": أهل مكة، والألف فيه للتوبيخ.

السابقالتالي
2 3