الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ } الآية.

لما حكى عنهم أنَّهم كانوا يقولون:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [الأنفال:32] الآية.

وأجاب بأن ذكر أنَّهُ: لا صلاح في إجابة دعائهم، ثم بيَّن أنَّهم كانوا كاذبين في هذا الطلب؛ لأنَّه لو نزلت بهم آفةٌ، تضرَّعُوا إلى الله تعالى في إزالتها، بيَّن ههنا ما يجري مجرى التهديد: وهو أنَّه تعالى قد أنزل بهم عذاب الاستئصال ولا يزيله عنهم؛ ليكون ذلك رَادعاً لهم عن قولهم:إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال:32]؛ لأنَّهم متى سمعُوا أنَّ الله قد يجيبُ دعاءهم، وينزل بهم عذاب الاستئصال، ثم سمعوا من اليهُود والنَّصارى، أنَّ ذلك قد وقع مراراً كثيرة، صار ذلك رَادِعاً عن ذكر هذا الكلام.

قوله: " مِن قَبْلِكُمْ " متعلقٌ بـ " أهْلَكْنَا " ، ولا يجوز أن يكون حالاً من " القُرُون "؛ لأنَّه ظرف زمانٍ، فلا يقعُ حالاً عن الجثَّة، كما لا يقع خبراً عنها، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا أوَّل البقرة [البقرة:21]، وتقدم الكلامُ على " لمَّا " [البقرة:17]، قال الزمخشري: " لما " ظرف لـ " أهْلَكْنَا " ، و " وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم " يجوز أن يكون معطوفاً على " ظَلَمُوا " ، فلا محلَّ له عند سيبويه، ومحلُّه الجر عند غيره؛ لأنَّه عطف على ما هو في محلِّ جرِّ بإضافة الظرف إليه، ويجوز أن يكون في محلِّ نصب على الحال، أي: ظلمُوا بالتَّكذيب، وقد جاءتهُم رُسُلُهم بالحُجَجِ والشَّوَاهدِ على صدقهم. و " بالبَيِّنَاتِ " يجوز أن يتعلَّق بـ " جَاءتْهُم " ، ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ، على أنَّه حالٌ من " رُسلهُمْ " ، أي: جاءُوا مُلتبسِين بالبيِّناتِ، مُصاحبين لها.

قوله: { وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } يجوز عطفه على " ظَلَمُوا " ، وهو الظَّاهرُ، وجوَّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً قال: واللامُ لتأكيد نفي إيمانهم، ويعني بالاعتراض: كونه وقع بين الفعل، ومصدره التشبيهي في قوله: " كذلِكَ نَجْزِي " والضميرُ في " كانُوا " عائد على " القُرُون " ، وجوَّز مقاتلٌ: أن يكون ضمير أهل مكة، وعلى هذا يكونُ التفاتاً، إذ فيه خُرُوجٌ من ضمير الخطابِ في قوله: " قَبْلِكُمْ " ، إلى الغيبة، والمعنى: وما كنتم لتُؤمِنُوا.

و " كذلِكَ " نعتٌ لمصدرٍ محذوف، أي: مثل ذلك الجزاء نجزي. وقرىء " يَجْزِي " بياء الغيبة؛ وهو التفاتٌ من التكلُّم في قوله: " أهْلَكْنَا " ، إلى الغيبةِ.

قوله: " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ " أي: خلفاء { فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } أي: من بعد القرون التي أهلكناهم، وهذا خطابٌ للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5