الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ... } الآية.

هذا الامتناعُ نفيٌ في المعنى، تقديره: لا يُعَجِّلُ الله لهم الشَّر، قال الزمخشري: " فإن قلت: كيف اتَّصل به قوله: { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } ، وما معناها؟ قلت: قوله " وَلَوْ يُعَجِّلُ " متضمّن معنى نفي التَّعجيلِ، كأنَّه قيل: ولا نُعَجِّل لهم بالشَّرِّ، ولا نقضي إليهم أجلهم ".

قوله " ٱسْتِعْجَالَهُمْ " فيه أوجهٌ:

أحدها: أنَّه منصوبٌ على المصدر التَّشبيهيِّ، تقديره: استعجالاً مثل استعجالهم، ثُمَّ حذف الموصوف، وهو " اسْتِعْجَال " ، وأقام صفته مقامه، وهي " مِثل " ، فبقي: ولو يعجِّل الله مثل استعجالهم، ثم حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، قال مكِّي: " وهذا مذهبُ سيبويه " ، وقد تقدَّم مراراً أنَّ مذهب سيبويه في هذا، أنَّه منصوبٌ على الحالِ من ذلك المصدرِ المُقدَّرِ، وإن كان مشهورُ أقوالِ المُعْربين غيره، ففي نسبةِ ما ذكرناه أولاً لسيبويه نظرٌ.

والثاني: أن تقديره: تعجيلاً مثل استعجالهم، ثم فعل به ما تقدَّم قبله، وهذا تقديرُ أبي البقاء، فقدَّر المحذوف مطابقاً للفعل الذي قبلهُ؛ فإنَّ " تَعْجِيلاً " مصدر لـ " عَجّلَ " ، وما ذكره مكِّي موافقٌ للمصدر الذي بعده.

والذي يظهر؛ ما قدَّره أبو البقاء؛ لأنَّ موافقة الفعل أولى، ويكون قد شبَّه تعجيله تعالى باستعجالهم، بخلاف ما قدَّره مكِّي، فإنَّه لا يظهر؛ إذ ليس " اسْتِعْجَال " مصدراً لـ " عَجَّل " ، وقال الزمخشري: " أصله: ولو يعجِّل الله للنَّاس الشرَّ تعجيله لهم الخير، فوضع " اسْتِعْجَالهُم بالخَيْرِ " موضع تعجيله لهم الخيرَ؛ إشعاراً بسُرعةِ إجابته لهُمْ وإسعافه بطلبهم، كأنَّ استعجالهُم بالخير تعجيلٌ لهُم " ، قال أبو حيَّان: " ومدلُولُ " عَجَّل " غير مدلول " اسْتَعْجَل "؛ لأنَّ " عَجَّل " يدلُّ على الوقوع، و " اسْتَعْجَل " يدلُّ على طلب التَّعجيل، وذلك واقعٌ من الله - تعالى -، وهذا مضافٌ إليهم، فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري، فيحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون التقدير: تَعْجِيلاً مثل استعجالهم بالخير، فشبَّه التَّعجيل بالاستعجالِ؛ لأنَّ طلبهم للخَيْر، ووقوع تعجيله مقدَّمٌ عندهم على كلِّ شيء.

والثاني: أن يكون ثمَّ محذوفٌ يدلُّ عليه المصدر تقديره: ولو يُعَجِّل اللهُ للنَّاسِ الشرَّ، إذا استعجلوا به اسْتعْجَالهُم بالخير؛ لأنَّهم كانوا يَسْتَعْجِلُون بالشرِّ ووقوعه على سبيل التَّهكم، كما كانُوا يَسْتعجلُون بالخير ".

الثالث: أنَّه منصوبٌ على إسقاط الخافض، وهو كاف التَّشبيه، والتقدير: كاستعجالهم.

قال أبُو البقاء: " وهو بعيدٌ؛ إذ لو جاز ذلك، لجاز " زيدٌ غلام عمرو " أي: كغلام عمرو ". وبهذا ضعَّفهُ جماعةٌ، وليس بتضعيفٍ صحيحٍ؛ إذ ليس في المثال الذي ذكر فعلٌ يتعدَّى بنفسه عند حذف الجارِّ، وفي الآية فعلٌ يَصِحُّ فيه ذلك، وهو قوله: " يُعَجل " ، وقال مكِّي: " ويَلزَمُ مَنْ يجُوِّز حذفَ حرفِ الجر منه، أن يُجيز " زيدٌ الأسدُ " ، أي: كالأسد ".

السابقالتالي
2 3 4 5