الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

قوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } الآية.

لمَّا بالغ في ذكر الدليل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بإظهار دينه، وإظهار المباينة عن المشركين، لكي تزول الشكوك والشبهات في أمره.

فإن قيل: كيف قال " في شكٍّ " وهم كافرون يعتقدون بطلان ما جاء به؟.

قيل: كان فيهم شاكون، فهم المرادُ بالآية، أو أنَّهم لمَّا رَأوا الآياتِ اضطربوا، وشكُّوا في أمرهم وأمر النبي - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه -.

قوله: " فَلاَ أَعْبُدُ " جواب الشَّرط، والفعلُ خبر ابتداء مضمر تقديره: فأنَا لا أعبدُ، ولو وقع المضارعُ منفياً بـ " لا " دون فاء لجزمَ، ولكنَّه مع الفاءِ يرفع كما تقدَّم ذكره، وكذا لوْ لمْ يُنْفَ بـ " لا " كقوله تعالى:وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } [المائدة:95]، أي: فهو ينتقُم.

ثم قال: { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } يميتكم، ويقبض أرواحكم.

فإن قيل: ما الحكمةُ في وصف المعبود ههنا بقوله: { ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ }؟.

فالجواب: من وجوه:

الأول: أنَّ المعنى أني أعبدُ الله الذي خلقكم أولاً، ثم يتوفَّاكم ثانياً ثم يعيدكم ثالثاً، فاكتفى بذكر التوفي لكونه مُنَبِّهاً على البواقي.

الثاني: أنَّ الموت أشدُّ الأشياءِ مهابة، فخص هذا الوصف بالذكر ههنا، ليكون أقوى في الزَّجر والرَّدع.

الثالث: أنَّهم لمَّا استعجلوا نزول العذاب قال تعالى:فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [يونس:102-103] وهذا يدلُّ على أنَّهُ تعالى يهلك أولئك الكفار، ويبقي المؤمنين ويقوي دولتهم، فلمَّا كان قريب العهد بذكر هذا الكلام لا جرم قال ههنا: { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } وهو إشارةٌ إلى ما قرَّره وبيَّنهُ في تلك الآية كأنه يقول: أعبد الله الذي وعدني بإهلاككم، وإبقائي بعدكم.

قوله:وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [يونس:72]، قال الزمخشري: أصله بأن أكون، فحذف الجارُّ، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذفُ الحروفِ الجارَّة مع أن وأنَّ، وأنْ يكون من الحذف غير المطَّرد؛ وهو كقوله: [البسيط]
2939- أَمَرْتُكَ الخَيْرَ............   .............................
فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } [الحجر:94] يعنى: بغيرِ المُطَّرد أنَّ حذف حرف الجر مسموعٌ في أفعالٍ لا يجوزُ القياسُ عليها، وهي: أمَرَ، واسْتَغْفَرَ، كما تقدم [الأعراف155]، وأشار بقوله: " أمَرْتُكَ " إلى البيت المشهور: [البسيط]
2940- أمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ مَا أمِرْتَ بِهِ   ...............................
وقد قاس ذلك بعضُ النَّحويِّين، ولكن يُشترط أن يتعيَّن ذلك الحرف، ويتعيَّن موضعه أيضاً، وهو رأي علي بن سليمان فيُجيز " بريتُ القلمَ السكين " بخلاف " صَكَكْتُ الحَجَرَ بالخشبةِ ".

قوله: " وأنْ أقِمْ " يجوز أن يكون على إضمار فعلٍ أي: وأوحي إليَّ أن أقم، ثم لك في " أنْ " وجهان أحدهما: أن تكون تفسيريةً لتلك الجملةِ المقدَّرة، كذا قاله أبو حيان، وفيه نظرٌ، إذ المفسَّرُ لا يجوز حذفه، وقد ردَّ هو بذلك في موضع غير هذا، والثاني: أن تكون المصدرية، فتكون هي وما في خبرها في محلِّ رفع بذلك الفعل المقدر، ويحتمل أن تكون " أنْ " مصدرية فقط، وهي على هذا معمولةٌ لقوله: أمِرْتُ مراعى فيها معنى الكلام؛ لأنَّ قوله " أنْ أكُونَ " كون من أكوانِ المؤمنين، ووصلْ " أنْ " بصيغة الأمْر جائزٌ، كما تقَدَّم تحريره.

السابقالتالي
2 3 4