الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

قولُه تَعَالَى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.

" صِرَاطَ الذِيْنَ " بدل منه، بدل كُلِّ مِنْ كُلّ، وهو بَدَلُ مَعْرِفَةٍ مِنْ مَعْرِفَةٍ.

والبدلُ سبعةُ أَقْسَامٍ على خلاف في بعضها:

بدلُ كُلّ من كُلّ، وبدل بَعْضٍ من كُلّ، وبدلُ اشْتِمَالٍ، وبدلُ غَلَطٍ، وبدل نِسْيَان، وبدل بَدَاء، وبدل كُلّ من بعض.

أما الأقسامُ الثلاثَةُ الأُوَلُ، فلا خلافَ فِيها.

وأما بدلُ البدَاء، فأثبته بعضُهم؛ مستدلاًّ بقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: " وإنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصلاَة، وما كتب له نِصْفُهَا ثُلُثُهَا رُبعُهَا إلى العُشُرِ " ولا يَرِدُ هذا في القرآن الكريمِ.

وأما الغَلَطُ والنسْيَانُ، فأثبتهما بعضُهم؛ مُسْتَدِلاًّ بقول ذي الرُّمَّةِ: [البسيط]
75- لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ   وَفِي اللِّثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ
قال: لأنَّ " الحُوّة " السّوادُ الخالِصُ، و " اللَّعَسُ " سواد يشوبه حُمْرَة، ولا يرِدُ هذان البدلان في كَلاَمٍ فصيحٍ.

وأما بدل الكُلّ من البعض، فأثبته بعضهُم، مُسْتَدِلاًّ بظاهِر قوله: [الخفيف]
76- نَضَرَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوهَا   بِسِجِسْتَانَ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ
في رواية مَنْ نَصَبَ " طَلْحَةَ " ، قال: لأنَّ " الأَعْظُمَ " بعضُ " طَلْحَةَ " ، و " طَلْحَةَ " كُلّ وقد أُبْدِلَ منها؛ واستدلّ - أيضاً - بقول امرىء القيس [الطويل]
77- كَأَنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا   لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
فـ " غَدَاةَ " بعضُ " اليوم " ، وقد أُبْدِلَ " اليوم " منها.

ولا حُجَّةَ في البيتيْنِ، أما الأولُ: فإنَّ الأَصْلَ " أعظماً دفنوها أَعْظُمَ طلحة " ثم حُذِفَ المضافُ، وأقيم المُضَافُ إليهِ مُقَامه؛ ويدلُّ على ذلك الروايةُ المشهورةُ وهي جَرُّ " طَلْحَةَ " على أنَّ الأصل: " أعظم طلحة " ولم يُقَم المضاف إليه مقامَ المضاف.

وأما الثاني: فإنَّ " اليَوْمَ " يُطلقُ على القطعةِ من الزمان، كما تقدّم، وليس هذا موضعَ البَحْثِ عَن دَلائِلِ المذهبيْن.

وقيل: " الصراط " الثاني غير الأول، والمرادُ به: العلمُ بالله تعالى. قاله جَعْفَرُ بنُ محمد رحمه الله تعالى: وعلى هذا فتخريجته أن يكونَ مَعْطُوفاً حُذِفَ منه حَرْفُ العَطْفِ، وبالجملة فهو مُشْكلٌ.

والبدلُ ينقسمُ أيضاً إلى:

بدل مَعرفةٍ، ونكرةٍ منْ نكرةٍ، ومعرفةٍ منْ نكرةٍ، ونكرةٍ مِنْ معرفةٍ.

ويَنْقَسمُ أيضاً إلى:

بدل ظاهِر من ظاهرٍ: ومُضْمَرٍ مِنْ مُضْمَرٍ، وظاهرٍ مِنْ مضمر، ومضمرٍ من ظاهر.

وفائدةُ البَدلِ: الإيضاحُ بعد الإبْهَامِ؛ لأنهُ يُفِيدُ تأكيداً من حَيْثُ المعنى، إذ هو على نيّةِ تَكْرَار العامل.

و " الذين " في مَحَلِّ جرٍّ بالإضافة، وهو اسمُ موصولٍ، لافتقاره إلى صِلَةٍ وعائدٍ، وهو جمع " الذي " في المعنى، والمشهور فيه أن يكونَ بالياءِ، رفعاً، ونصباً، وجرًّا؛ وبعضُهم يرفعُه بالواوِ؛ جَرْياً له مَجْرَى جَمْعِ المذكَّر السَّالم؛ ومنه: [الرجز]

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد