الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

إِيَّاكَ: كلمة ضمير خُصَّت بالإضافةِ إلى المُضْمَر، ويُسْتَعْمل مقدماً على الفعل. وإيَّاكَ أَسْأَلُ؛ ولا يُسْتَعملُ مؤخراً إلاّ منفصلاً؛ فيُقالُ، ما عنيتُ إِلاَّ إِيَّاك.

وهو مفعولٌ مُقَدَّمٌ على " نعبد " قُدِّم للاختصاصِ، وهوَ واجِبُ الانفصالِ.

واخْتلَفُوا فيه: هَلْ هو مِنْ قَبِيل الأسماءِ الظاهرة أو المضمرة؟ فالجمهورُ: على أنه مُضْمَرٌ.

وقال الزَّجَّاجُ رحمه الله تعالى: هو اسمٌ ظاهر.

والقائِلُون بأَنَّهُ ضميرٌ اخْتَلَفُوا فيه على أربَعةِ أقوالٍ:

أحدُهما: أنه كلمةُ ضَمِيرٍ.

والثاني: عَلَى أَنَّ " إِيَّا " وَحْدَهُ ضَمِيرٌ، وما بَعْدَهُ اسمٌ مُضَافٌ إليه يبيّن ما يُرادُ به [من تكلّم وغيبة وخطابِ].

وثَالِثُها: أَنَّ " إِيَّا " وحده ضميرٌ، وما بعده حُرُوفٌ تبين ما يُرادُ به [من تكلم وغيبة وخطاب].

ورابعُها: أَنَّ " إيَّا " عمادٌ وما بعده هو الضميرُ، وشذّت إضافته إلى الظاهِرِ في قولِهِم: " إذا بلغ الرَّجُلَ السِّتِّينَ، فإياه وإِيَّا الشَّواب " بِإِضَافَةِ " إِيَّا " إلى " الشواب " ، وهذا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الكَافَ، والهاء، والياء في محلّ جر، إِذا قُلْتَ: " إِيَّاكَ إِيَّاه إِيَّايَ " وقد أَبْعَدَ بعضُ النَّحوِيِّينَ، فجعل له اشْتِقاقَاً، ثُمَّ قال: هَلْ هو مشتقٌّ من " أَوَّ "؛ كقول الشاعر في ذلك: [الطويل]
62- فَأَوِّ لِذِكْرَاهَا إِذَا ما ذَكَرْتُهَا   ..................
أَوْ منْ " آيَة "؛ كقوله [الرجز]
63- لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ آيَائِهِ   
وهل وَزْنُه: " إفْعَل، أو فَعِيل، أو فَعُول " ثم صَيرَّه التصريفُ إلى صِيغةِ " إِيَّا "؟ وهذا الذي ذكره لا يُجدِي فائدةً، مع أنَّ التصريفَ والاشتقاق لاَ يَدْخُلاَن في المتوغِّلِ في البناءِ وفيه لُغاتٌ: أَشْهرُها: كَسْرُ الهمزةِ، وتَشْدِيدُ اليَاءِ، ومنها، فَتْحُ الهمزةِ وإبدالُها هاء مع تشديدِ الياءِ وتَخْفِيفهَا؛ قال الشَّاعر: [الطويل]
64- فَهَيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي الَّذِي إِنْ تَرَاحَبَتْ   مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلِيْكَ مَصَادِرُهْ
وقال بعضُهم: " إِيَّاكَ " بالتَخْفِيفِ مرغوبٌ عنه؛ لأنه يَصِيرُ: " شَمْسَك نعبد "؛ فإِنَّ إِيَاةَ الشمسِ: ضَوْؤُها - بكسر الهَمزةِ، وقد تُفْتَحُ. وقيل: هي لها بمنزلةِ الهَالةِ للقمر، فإذا حذفت التاءَ، مَدَدْتَ؛ قال: [الطويل]
65- سَقَتْهُ إِيَاءُ الشَّمْسِ إِلاَّ لِثَاتِهِ   أُسِفَّ فَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمِدِ
وقد قٌرِىءَ ببعضِهَا شَاذًّا.

وللضَّمائِرِ تَقسيمٌ مُتَّسع لا يحتمله هذا الكتاب، وإنما يأتي في غُضُونِه ما يليقُ به.

و " نَعْبُدُ " فعلٌ مضارعٌ مرفوع؛ لتجردِه من الناصبِ والجازمِ، وقِيل: لوقوعِه موقعَ الاسمِ، وهذا رأْيُ البصريين.

ومعنى المضارع المشابه، يعني: أنه أشبه الاسمَ في حركاتِهِ، وسكناتِه، وعدَدَ حُرُوفِهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ " ضَارِباً " يُشْبه " يَضْرِب " فيما ذكرت، وأنه يشيع ويختصُّ في الأزمانِ كما يشيعُ الاسمُ، ويختص في الأَشْخاصِ، وفَاعِلُهُ مستترٌ وُجُوباً لما مَرّ في الاستعاذة.

السابقالتالي
2 3 4 5