الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }

وقوله سبحانه: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }: المعنى: أَنَّ اللَّه خَيَّر نبيَّه في هذا، فكأنه قال له: إِن شئْتَ فٱستغفر لهم، وإِن شئت لا تستغفر، ثم أعلمه أنَّه لا يغفِرُ لهم، وإِن ٱستغْفَرَ سبعين مرَّةً، وهذا هو الصحيحُ في تأويل الآية، لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعمر: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَيَّرَنِي فَٱخْتَرْتُ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنِّي إِذَا زِدتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُمْ لَزِدْتُ... " الحديث، وظاهرُ لفْظِ الحديثِ رفْضُ إِلزام دليل الخطَاب، وظاهرُ صلاته صلى الله عليه وسلم عَلَى ٱبْنِ أُبَيٍّ أَنَّ كُفْره لم يكنْ يقيناً عنده، ومحالٌ أَنْ يُصلِّيَ على كافرٍ، ولكنه راعى ظواهره من الإِقرار ووَكَلَ سريرته إِلى اللَّه عزَّ وجلَّ، وعلَى هذا كان سَتْرُ المنافقين، وإِذا ترتَّب كما قلنا التخييرُ في هذه الآيةِ، صَحَّ أَنَّ ذلك التخييرَ هو الَّذِي نُسِخَ بقوله تعالى في «سورة المنافقين: [6]»:سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }

* ت *: والظاهر أن الآيتين بمعنًى، فلا نَسْخ، فتأمَّله، ولولا الإِطالة لأَوْضَحْت ذلك.

قال * ع *: وأما تمثيله بالسبعين دُونَ غيرها من الأعدادِ، فلأَنه عددٌ كثيراً مَّا يجيءُ غايةً ومقنعاً في الكَثْرة.

وقوله: { ذَٰلِكَ } إِشارة إِلى ٱمتناع الغُفْرَانِ.

وقوله عزَّ وجلَّ: { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ... } الآية: هذه آية تتضمَّن وصف حالِهِمْ، على جهة التوبيخ، وفي ضمنها وعيدٌ، وقوله: { ٱلْمُخَلَّفُونَ }: لفظٌ يقتضي تحقيرَهُم، وأنهم الذين أبعدهم اللَّه مِنْ رضاه و«مقْعَد»: بمعنى القُعُود، و«خِلاَف»: معناه: «بَعْدَ»؛ ومنه قولُ الشاعر: [الطويل]
فَقُلْ لـلَّـذِي يَبْغِي خِلاَفَ الَّذِي مَضَى   تَأَهَّبْ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَد
يريد: بعد الذي مَضَى.

وقال الطبريُّ: هو مصدرُ: خَالَفَ يُخَالِفُ، وقولهم: { لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ }: كان هذا القول منهم؛ لأن غزوة تبوك كَانَتْ في شدَّة الحَرِّ وطِيب الثمار.