الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

وقوله عزَّ وجلَ: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ... } الآية: هذه الآيةُ نزلَتْ في البَيْعة الثالثة، وهي بيعةُ العَقَبة الكُبْرَى، وهي التي أَنَافَ فيها رجالُ الأنصار على السبعين؛ وذلك أنهم اجتمعوا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند العقبة، فقالوا: ٱشْتَرِطْ لك، وَلَرَبِّكَ، والمتكلِّمُ بذلك عبدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَة فاشترط نبيُّ اللَّه حمايته ممَّا يحمُونَ منه أنفسهم، وَٱشترط لربِّهِ ٱلتزامَ الشريعةِ، وقِتَالَ الأَحمَرِ والأَسْوَدِ في الدَّفْع عن الحَوْزَة، فقالوا: مَا لَنَا عَلَى ذَلِكَ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: الجَنَّةُ، فَقَالُوا: نَعَمْ، رَبحَ البَيْعُ، لاَ تَقِيلُ وَلاَ تُقَالُ»، وفي بعض الرواياتِ: «وَلاَ نَسْتَقِيلُ» فنزلَتِ الآية في ذلك.

وهكذا نقله ابن العربيِّ في «أحكامه»، عن عبد اللَّه بن رَوَاحَة، ثم ذكر من طريق الشعبيِّ، عن أبي أمامة أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ نحو كلام ابنِ رَوَاحَةَ.

قال ابن العربيِّ: وهذا وإن كان سنده مقطوعاً، فإن معناه ثابتٌ مِنْ طرق. انتهى.

ثم الآية بَعْدَ ذلك عامَّة في كلِّ من جَاهَدَ في سبيلِ اللَّهِ مِنْ أمة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، قال بعضُ العلماء: مَا مِنْ مُسْلِم إلا وللَّه في عُنُقِهِ هذه البَيْعَةُ، وَفَىٰ بِهَا أو لم يَفِ، وفي الحديث: " إِنَّ فَوْقَ كُلِّ بِرٍّ بِرًّا حَتَّى يَبْذُلَ العَبْدُ دَمَهُ، فَإِذَا فَعَلَ، فَلاَ بِرَّ فَوْقَ ذَلِكَ " وأسند الطبريُّ عن كثير من أهْلِ العِلْم؛ أنهم قالوا: ثَامَنَ اللَّه تَعَالَى في هذه الآية عِبَادَهُ، فَأَغْلَى لهم؛ وقاله ابن عباس وغيره، وهذا تأويلُ الجمهور.

وقال ابن عُيَيْنَة: معنى الآية: ٱشْتَرَى منهم أنفسهم ألاَّ يُعْمِلُوهَا إلا في طاعته، وأموالَهُمْ أَلاَّ يُنْفِقُوها إِلاَّ في سبيله، فالآية علَى هذا: أعمُّ من القَتْلِ في سبيل اللَّه.

وقوله: { يُقَـٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } على تأويل ابْنِ عُيَيْنة: مقطوعٌ، ومستأنفٌ، وأما على تأويل الجمهور مِنْ أَنَّ الشراء والبَيْع إِنما هو مع المجاهدين، فهو في موضع الحال.

وقوله سبحانه: { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ }: قال المفسِّرون: يظهر من قوله: { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ } أن كلَّ أُمَّة أُمِرَتْ بالجهاد، ووُعِدَتْ عليه.

قال * ع *: ويحتملُ أَنَّ ميعاد أُمَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تقدَّم ذكره في هذهِ الكُتُب، واللَّه أعلم.

قال * ص *: وقوله: { فَٱسْتَبْشِرُواْ }: ليس للطلب، بل بمعنى: أَبْشِرُوا؛ كَٱسْتَوْقَدَ، قال أبو عُمَرَ بْنُ عبد البِرِّ في كتابه المسمَّى بـــ «بهجة المَجَالِسِ»: وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: " مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَاباً، فَهُوَ مُنْجِزٌ لَهُ مَا وَعَدَهُ، وَمَنْ أَوْعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَاباً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ "

السابقالتالي
2 3