الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

وقوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً.... } الآية: رُوي أن الجماعة التائبة لَمَّا تِيبَ عليهَا، قالوا: يا رسُولَ اللَّه؛ إِنَّا نُرِيدُ أن نتصدَّق بأموالنا زيادةً في تَوْبَتِنا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لاَ أَعْرِضُ لأَمْوَالِكُمْ إِلاَّ بَأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ»، فَتَرَكَهُمْ حَتَّى نَزَلَتْ هذه الآية، فَهُمُ المرادُ بها، فَرُوِيَ أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثلث أموالِهِمْ، مراعاةً لقوله تعالى: { مِنْ أَمْوٰلِهِمْ } ، فهذا هو الذي تظاهَرَتْ به أقوال المتأوِّلين، وقالتْ جماعة من الفقهاء: المرادُ بهذهِ الآية الزكَاةُ المفروضَةُ، وقوله تعالى: { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }: أحسن ما يحتمل أنْ تكون هذه الأفعالُ مسندة إلى ضمير النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله سبحانه: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }: معناه: ٱدْعُ لهم، فإِن في دعائك لهم سكوناً لأنفسهم وطمأنينة ووقاراً، فهي عبارةٌ عن صلاح المعتَقَد، والضميرُ في قولِهِ: { أَلَمْ يَعْلَمُواْ } قال ابنُ زَيْدٍ: يُرادُ به الذين لم يتوبوا من المتخلِّفين، ويحتملُ أنْ يُرَادِ به الذين تابوا، وقوله: { وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ } قال الزَّجَّاج: معناه: ويقبل الصدقات، وقد جاءَتْ أحاديثُ صحاحٌ في معنى الآية؛ منها حديثُ أبي هريرة: " إِنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ تَكُونُ قَدْرَ اللُّقْمَةِ يَأْخُذُهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا لأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلْوَهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ " ، ونحو هذا من الأحاديث التي هي عبارةٌ عن القبول والتحفِّي بصدقة العبد.

وقوله: { عَنْ عِبَادِهِ }: هي بمعنى «مِنْ».