الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } * { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } * { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } * { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } * { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } * { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } * { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } * { وَأَكِيدُ كَيْداً } * { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }

وقوله تعالى: { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } قال ابن عباس وقتادة: المعنى أن اللَّهَ عَلى ردِّ الإنسانِ حيًّا بعد موتهِ لقادرٌ، وهذا أظهر الأقوال هنا وأبينُها، و { دَافِقٍ } قال كثير من المفسرين: هو بمعنى مَدْفُوقٍ، والعاملُ في { يَوْمٍ } الرَّجْع من قولهِ: { عَلَىٰ رَجْعِهِ }.

و { تُبْلَىٰ ٱلسَّرَائِرُ } معناه تُخْتَبَرُ وتكشَفُ بواطنُها، ورَوَى أبو الدرداءِ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن السرائرَ التي يَبْتَلِيهَا اللَّه من العباد: التوحيدُ، والصلاةُ، والزكاةُ، والغُسْلُ من الجنَابةِ، قال * ع *: وهذهِ معظَمُ الأمرِ، وقال قتادة: الوجهُ في الآيةِ العمومُ في جميعِ السرائرِ، ونَقَلَ ابنُ العربي في «أحكامِه» عن ابن مسعود: أنَّ هذه المذكوراتِ [مِنَ] الصلاةِ والزكاةِ والوضوءِ والوديعةِ كلَّها أمَانَةٌ، قال: وأَشَدُّ ذلكَ الوديعةُ تَمْثُلُ له، أي: لمن خَانَها على هيئَتِها يوم أخَذَها فَتُرْمَى في قَعْر جهنمَ، فيقالُ له: أخْرِجْها، فيتبعُها فيجعلُها في عنقهِ فإذا أراد أن يخرجَ بهَا زَلَّتْ منه فيتبعُها؛ فهو كذلكَ دَهْرَ الداهرينَ، انتهى، * ت *: قال أبو عبيد الهروي: قوله تعالى: { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَائِرُ } الواحدةُ سَرِيرَةٌ وهي الأعمالُ التي أسرَّهَا العبادُ، انتهى، و { ٱلرَّجْعِ } المطرُ وماؤُه، وقال ابن عباس: الرجعُ: السحابُ فيه المطرُ، قال الحسنُ: لأنه يَرْجِعُ بالرزقِ كلَّ عامٍ، وقال غيرُه: لأنه يرجع إلى الأرض، و { ٱلصَّدْعِ } النباتُ؛ لأن الأرضَ تَتَصَدَّعُ عنْه، والضمير في { إِنَّهُ } للقرآن، و { فَصْلٌ } معناه: جَزْمٌ فَصَلَ الحقائِقَ مِنَ الأباطيلِ، و { الهَزْل } اللعِبُ الباطلُ، ثم أخبر تعالى عن قريش أنهم يَكِيدُونَ في أفعالِهم وأقوالِهم بالنبي ـــ عليه السلام ـــ، و { وَأَكِيدُ كَيْداً } وهذا على مَا مَرَّ من تسميةِ العُقُوبة باسْمِ الذنبِ، و { رُوَيْداً } معناه: قليلاً؛ قاله قتادة، وهذهِ حالُ هذهِ اللفظةِ؛ إنما تقدمَها شيءٌ تَصِفُه كقولك: سيراً رويداً، أو تقدمَها فعل يَعْملُ فيها كهذهِ، وأما إذا ابتدأتَ بها فقُلْتَ: رويداً يا فلان؛ فهي بمعنى الأمر بالتَمَاهُلِ، * ص *: { رُوَيْداً } قال أبو البقاء: نَعْتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إمْهَالاً رُوَيْداً، و«رويداً» تَصْغِيرُ «رَوْدٍ» وأنشَد أبو عُبَيْدَةَ: [البسيط]
يَمْشِي ولاَ تَكْلِمُ البَطْحَاءَ مِشْيَتُهُ   كَأَنَّهُ ثَمِلٌ يَمْشِي عَلَىٰ رَوْدِ
أي: على مَهْلٍ ورِفْقٍ، انتهى.